للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فيمن ذكر من الأصناف الأخرى كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ٦٢]، فكانوا يتعبَّدون لله تعالى على غير شريعة بعينها، وهذا الذي قيل في هذا الصنف من الصابئة: قوم يعبدون الله تعالى على غير شريعة بعينها، فهؤلاء صنف قد دخلوا في هذا الحال الذي هو حال مدح.

وذمُّوا في مواضع: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [الحج: ١٧]، هذه ستة أصناف كما يقول عنها ابن عباس: "الأديان ستة خمسة للشيطان، وواحد للرحمن" (١)، فهذا مقام ذمِّ لهؤلاء.

فإذًا لفظ الصابئة يطلق أحيانًا ويراد به، الصنف منهم الذين عبدوا الله تعالى على غير شريعة بعينها، وصنف مذموم وهم الذين كانوا على دين النمرود.

"لَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرَهُمْ كَانُوا كُفَّارًا أَوْ مُشْرِكِينَ؛ كَمَا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بَدَّلُوا وَحَرَّفُوا وَصَارُوا كُفَّارًا أَوْ مُشْرِكِينَ"

ذكر المصنف أن قليلاً منهم كان يشملهم هذا الحال، أما أكثرهم فهم على الشرك، كما أن اليهود فيهم كذلك من حرَّف وبدَّل وغيَّر، وكذلك النصارى فيهم من حرَّف وبدَّل وغيَّر، وسائر الأصناف على هذا الحال.

لذلك تجد أن هناك آيات تثني أحيانًا على أهل الكتاب، وآيات تذمُّهم، وآيات تثني عليهم وتمدحهم. فالمدح يكون لأهل الخير منهم، والذمُّ يكون على الذين بدَّلوا وحرَّفوا دينهم، فالثناء يكون لمن تقدم منهم ولم يغيِّر، ولم يبدِّل، ولم يحرِّف، أو لمن أدرك الإسلام فكان له الفضل بحيث كان له سبق في الحق، وكان له أيضًا فضل اتباع النبي ، وهكذا تجد هذا كثيرًا في القرآن، تجده كثيرًا في القرآن.

"فَأُولَئِكَ الصَّابِئُونَ -الَّذِينَ كَانُوا إذْ ذَاكَ -كَانُوا كُفَّارًا أَوْ مُشْرِكِينَ وَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَيَبْنُونَ لَهَا الْهَيَاكِلَ. " ومقصود المصنف أنه انتهى صنف الصابئة الذين كانوا يتعبَّدون الله على غير شريعة، فلا يكون ولا يعقل أن يكون لهؤلاء وجود أو أمر يُمدحون عليه بعد بعثت النبي ، إذ إن نبوءة النبي كانت عامة لكل الخلق، ولا يسع أحد أن يخرج عنها. فإذًا عندما دخل الجعد حران كانت حران إذ ذاك فيها من


(١) انظر كتاب الدر المنثور للسيوطي الجزء السادس، صفحة (١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>