للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وواصل بن عطاء له قصة في مسألة مرتكب الكبيرة عندما جاء السائل يسأل الحسن البصري، وكان هو في مجلس الحسن البصري ومن أحد تلاميذه، وجاء السائل يسأل عن هذه المسألة، فسارع واصل بالإجابة وقال: أنه في منزلة بين المنزلتين، فجاء بمسألة مرتكب الكبيرة بقول أحدثه في هذا، إذ لم يكن هناك في ذلك الحين إلا قول الخوارج، وحكمهم على مرتكب الكبيرة، وقول أهل السنة، وقول المرجئة. فجاء واصل بقول يوافق فيه الخوارج من حيث النتيجة؛ لأن الفرق بين مقالة الخوارج ومقالة المعتزلة في هذه المسألة هو أنهم اختلفوا في حكم مرتكب الكبيرة في الدنيا، وإنما في المآل أي في الآخرة هم على قول واحد، إذ أن كلًّا من الخوارج والمعتزلة يقول: إنه خالد مخلد في النار، لكن المعتزلة يجعلونه في الدنيا لا مؤمن ولا كافر، ويقولون في منزلة بين المنزلتين.

فأظهر واصل بن عطاء هذه المقالة واعتزل مجلس الحسن البصري، ومن هنا من بعد ذلك سمي أتباعه المعتزلة. فنشأ الاعتزال في البصرة، وكانت في ذلك الوقت مرتع للبدع فكان فيها الخوارج والقدرية والمرجئة، وكذلك كان فيها شيء من التشيُّع.

فمن هنا كان الاعتزال مركباً من عدة مقالات، فأخذ شيئًا من القدرية، وأخذ شيئًا من الخوارج، وأخذ كذلك شيئًا من الجهمية وإن كان هذا بعد ذلك. فمثلاً تأثرهم بالخوارج لأن واصل بن عطاء كان يقول في مسألة أهل صفين، ومسألة التحكيم كان يقول: إن أحد الطائفتين يعني فاسق لا بعينه، فيفسق ولكن بدون تحديث أو تعيين أي الطائفتين كذلك. وكان يقال عنه: "لو جاء علي وأصحابه ومعاوية أصحابه يشهدون عندي على حزمة بقل، لرددت شهادة الاثنين" (١).

فبالتالي هذا يظهر مدى العلاقة بين الخوارج وبين المعتزلة فيما بعد، لأنه لا يزال إلى اليوم فكر الاعتزال موجوداً عند بقية الخوارج وهم الإباضية، والإباضية اليوم في مسائل الصفات وفي بعض المسائل على عقيدة الاعتزال، يدعون إليها بنفس الكلام الذي يقوله المعتزلة. وللاعتزال كذلك صلة بالتشيُّع لأن المعتزلة لو درسْت في تاريخهم، يزعمون أن واصل بن عطاء تتلمذ على الحسن والحسين ابني عليٍّ ، فيزعمون ويدَّعون ذلك.

وبالتالي بعد هذا كان هناك تقارب بين المعتزلة والروافض، ولذلك الروافض اليوم الإمامية الاثنا عشرية، والزيدية في مسائل الأسماء والصفات يحملون فكر


(١) انظر كتاب العرش للذهبي الجزء الأول، صفحة (٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>