الاعتزال، فلو جئت إلى الزيدية، ولو جئت إلى الروافض تناقشهم في مسائل الصفات تجد أن ما عندهم هو ما عند المعتزلة.
وكان من أشهر مقالات واصل بن عطاء مسألة المنزلة بين المنزلتين، ومقالة القدرية، وكذلك ميله في مسائل الإيمان إلى قول الخوارج في ذلك لأنهم يقولون: "إن الإيمان قول واعتقاد وعمل لكن لا يزيد ولا ينقص" (١).
فالناس في الإيمان ثلاثة: المرجئة، وأهل السنة والجماعة، والخوارج والمعتزلة، لأن هؤلاء يقولون: إن الإيمان لا يتفاضل ولا يتبعَّض، ويقولون: الإيمان قول واعتقاد وعمل لكنه لا يزيد ولا ينقص. فالفرق بينهم وبين أهل السنة الزيادة والنقصان، وأهل السنة يقولون: إنه يتفاضل، ويتبعضُّ، ويزيد، وينقص، أما هؤلاء يقولون: أنه شيء واحد إذا ذهب بعضه ذهب كله.
فإذًا هذه بعض أفكار المعتزلة في ذلك الحين:
- مقالة القدر، فقد تلقَّف المعتزلة مقالة القدرية حتى بعد ذلك أصبح إذا قيل: القدرية، فإن الذي يعنى بذلك هم المعتزلة في ذلك الحين، هذه واحدة، مقالة القدر.
- المقالة الثانية في مسألة الإيمان، وأنه لا يزيد ولا ينقص.
- المقالة الثالثة في مسألة مرتكب الكبيرة.
- والرابعة قولهم في مسألة التحكيم وأهل صفين.
ولم يكن عندهم في ذلك الحين مقالة التجهم، إنما هي دخلت عليهم بعد ذلك، فتلاميذ واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد هم الذين تلقَّفوا مقالة الجهمية وأضافوها إلى مقالاتهم، وهذا أمر ليس بمستبعد لأن هؤلاء مقولاتهم مركَّبة من عدد من الطوائف، فأخذوا من الخوارج شيئًا، وأخذوا من القدرية شيئًا، وأخذوا من التشيع شيئًا، فلا مانع بعد ذلك أن يأخذوا من التجهم شيئًا.
وأوائل المعتزلة لم يكونوا على مقالة الجهم، وإنما دخل فيهم التجهم بعد هذا. وكان المعتزلة بعد ذلك هم رؤوس الفتنة في مقالة الصفات، والقول بخلق القرآن فقد تزعموا هذه المسألة في زمن المأمون.
والمعتزلة استمرت إلى القرن السادس كفرقة ووجود، لكن بعد ذلك تلاشى وجودها كأفراد، ولكن بقي وجودها كمقالة.
لكن بعض مقالات المعتزلة احتضنها الأشاعرة، فالأشاعرة تأثروا تأثراً وليس
(١) انظر كتاب التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، صفحة (٤٣).