احتضاناً، وكذلك الإباضية والخوارج فلو نظرت لمقالاتهم ترى اليوم مقالات المعتزلة.
وهكذا الرافضة الإمامية، فإنهم كانوا في بداية أمرهم يقولون بقول المشبهة، لكنهم تبنوا بعد ذلك قول المعتزلة في باب الصفات.
وكذلك فإن مقالة المعتزلة موجودة عند الزيدية، وإن كان الزيدية أقدم تأثرا بالاعتزال من الرافضة الإمامية الاثنا عشرية؛ لأن الرافضة في أوائلهم مشبِّهة، كانوا على التشبيه، ولكن بعد ذلك تأثروا بالمعتزلة.
فإذًا لم تمت مقالات الاعتزال وإنما هي موجودة إلى يومنا هذا بين الإباضية والزيدية والإمامية الاثنا عشرية ومتأخري الأشاعرة كما سيأتي تفصيله.
مع أن تأثر متأخري الأشاعرة بالمعتزلة كان كبيراً وقوياً، فإن بعض أقوال المعتزلة بين الحين والآخر تظهر على أيدي بعض الأشاعرة.
وكذلك حاول المستشرقون أن يحيوا هذه الأفكار، وذلك بواسطة مدارسهم الموجودة اليوم في الغرب، فهم يتبنون الفكر الاعتزالي ويحيون تراثه، ويسعون في ذلك سعيًا حثيثًا.
والمدرسة العقلية والطعن في السنة وغير ذلك من الأمور، كل هذه أصولها عند المعتزلة، ويظهرها بين الحين والآخر أفراد يسعون إلى إظهار هذه المقالات التي هي في حقيقتها مقالات المعتزلة.
فمثلًا التشكيك في السنة، إنما بهو بعينه هو قول المعتزلة فالذي يظهر على أيدي هؤلاء العقلانيين هو في حقيقته تراث اعتزالي، فالذي يظهر في زمننا هذا ويشكك في أبي هريرة مثلًا ﵁-فإن هذا الكلام بعينه موجود عند المعتزلة يردِّدونه ويطعنون في كبار الصحابة وفي مسائل السنة، فهو ليس بجديد.
وكذلك تظهر اليوم فرق وأقوال وجماعات تُظهر شيئًا من الاعتزال، فهذا التفكير الذي أصبح له صولة وجولة ويتردد في كثير من شباب المسلمين هو فكر اعتزالي، يظهر في صور جماعات معينة وأسماء جديدة، لكن بعينها هي شُبَهُ المعتزلة نفسها تكررت وأعيدت فأحيت هذه المقالات.
فهذا يعني أن على الدارس لهذا الباب أن يعرف شيئًا من تاريخ هذه الفرق ويعرف شيئًا من مقالات هذه الفرق؛ لأنه لا يعني انتهاء فرقة بعينها كأشخاص أنه انتهت مقالاتهم، بل تظهر وتتجدد بصور ومسميات جديدة لكن هي بعينها المقالات القديمة التي توجد عند تلك الفرقة أو هذه.