وكانت الكلابية تناظر هؤلاء بطريقة كلامية، فأبو الحسن الأشعري لما زهد بالاعتزال وخرج منه، وجد أمامه مقالة الكلابية، باعتبار أنها كانت تقف في وجه المعتزلة، فهي مسلطة في المقام الأول في معاندة ومعارضة المعتزلة.
فأبو الحسن الأشعري تأثر بالكلابية، وأخذ بأقوالهم وهذا ظاهرٌ في كتبه التي ألَّفها عندما كان في هذا الطور ككتابه اللمع، فهذا الكتاب يشابه كثيرًا أقوال ابن كلاب ولا يختلف عنها إلا في مسائل محدودة.
ولو قرأت في كتابه مقالات الإسلاميين تجد أن أبا الحسن الأشعري من أمهر من كتب في الاعتزال، وفي مقالات المعتزلة، ومن أمهر من كتب في مقالات الكلابية لأنه مر بثلاثة أطوار:
الطور الأول: إلى سن الأربعين وهو يتغذى الاعتزال.
الطور الثاني: بعد الأربعين دخل في الكلابية.
الطور الثالث: وبعد ذلك كان بينه وبين أبي زكريا الساجي من علماء الحديث لقاء، وعرَّفه فيه بمعتقد أهل الحديث وأهل السنة، ونصحه بأن يترك البصرة وينتقل إلى بغداد باعتبار أن بغداد مركز لأهل الحديث، فقوة أهل الحديث كانت في بغداد أظهر، وكيف لا وهناك تلاميذ الإمام أحمد بن حنبل، وغيره من علماء الحديث.
فنصحه أن ينتقل من البصرة إلى بغداد، وعندما ذهب إلى بغداد والتقى بعلماء الحديث، بعد ذلك خرج من الكلابية إلى أهل السنة، وألَّف في ذلك [الإبانة]، وألَّف في ذلك [رسائل إلى أهل الثغر]، وألَّف في ذلك مقالات الإسلاميين، هذه أشهر كتبه في المرحلة الثالثة فهو مر بثلاثة أطوار: معتزلي، ثم كلابي، ثم أهل السنة والجماعة.
فإذًا من هذا يتبين أن الكلابية هي أصل الأشعرية؛ لأن من نشأ على الأشعرية القديمة إنما هو في الحقيقة أخذ بكلام الكلابية.
فتلاميذ أبي الحسن الأشعري في الطور الثاني أخذوا هذه المقالات التي تنسب إلى الكلابية وتبنوها، ولذلك لم يعد بعد ذلك وجود للكلابية، إذ أن وجودهم قد احتواه الأشاعرة، فاحتووا الكلابية، فأصبح بعد ذلك هذه المقالات تعرف باسم الأشاعرة.
وأما الماتريدية، فأبو المنصور الماتريدي أسبق من أبي الحسن الأشعري، كان متقدماً على أبي الحسن الأشعري.