للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووفاته كذلك متأخرة على أبي الحسن الأشعري، وكان عمره أكبر من عمر أبي الحسن الأشعري لأن أبا الحسن الأشعري عمره أربعٌ وستون، أربعون قبل الثلاثمائة، وأربع وعشرون بعد الثلاثمائة، فهذا هو عمر أبي الحسن الأشعري. وكان الماتريدي معاصراً له وإن كان أسبق منه ولادة، وامتد عمره بعد وفاة الأشعري، وتوفي من بعده لكن أبو منصور الماتريدي نشأ في المشرق بين الأحناف، وبالتالي تأثر بمقالات الكلابية، وتأثر بمقالات الجهمية، وكان على هذا لقاء بين الأشعرية والماتريدية، ولكن هذا اللقاء كان أقرب صورة له هي صورة الكلابية.

فكان الكلابية إذ ذاك هم أصل الأشعرية، وأصل الماتريدية وهذا يفسر لك مدى التقارب بين الأشاعرة والماتريدية، حتى إن الفُروق التي يعدونها بينهم هي فُروق قليلة، أحيانًا يحصرونها في ثلاثة عشر فرقًا، يقولون: سبعة منها لفظية، وست منها جوهرية.

فشيوخ وقدماء الأشاعرة والماتريدية هم الكلابية، فقد كان تأثر الفريقين بالكلابية واضحًا وهذا يفسر ما بين الأشاعرة والماتريدية من تقارب، إلا أن الأشاعرة تأثرهم بالمعتزلة بعد ذلك أقوى، والماتريدية تأثروا بالكلابية، وتأثروا بالجهمية، والمعتزلة في ذلك الحين.

فكان بينهما نوع قرب، لكن التقارب بعد ذلك أصبح أقرب، نظرًا لقرب الأشاعرة إلى المعتزلة، فمن الجويني، والغزالي، والرازي كان هناك تقارب بين الأشعرية والمعتزلة. ولذلك يقول العلماء: إن أوائل الأشاعرة كانوا أقرب إلى أهل السنة، وأما أواخر الأشاعرة فإنهم أقرب إلى المعتزلة. فهذا يعطيك فكرة تاريخية عن نشأة الأشعرية، والمعتزلة استمرت إلى القرن السادس كفرقة ووجود، لكن بعد ذلك تلاشى وجودها كأفراد، ولكن بقي وجودها كمقالة. لكن مقالة المعتزلة احتضنها الأشاعرة، طبعًا الأشاعرة تأثروا تأثراً وليس احتضاناً.

وقد كان آخر أمر أبي الحسن الأشعري، رجوعه إلى أهل السنة، ولكنه كما يقال رجوع جملة، أي أنه لم يعرف أو لم يتوصل إلى معرفة أقوال أهل السنة على وجه التفصيل، ولذلك مثلًا في كتابه الإبانة أو مقالات الإسلاميين يخطئ في بعض المسائل في نسبتها إلى أهل الحديث أي إلى أهل السنة، فهذا يدل على أنه رجع رجوع جملة، وليس عنده معرفة بالتفصيل من أقوال أهل السنة لتأخر رجوعه إلى عقيدة أهل السنة، فأربعون سنة وهو في الاعتزال، ثم شطر كبير مما تبقَّى من عمره وهو على عقيدة ابن كلاب إلى أن نصحه أبو زكريا الساجي، وأبو زكريا الساجي توفي عام ثلاثمائة وسبعة أي بعد أن رجع أبو الحسن الأشعري وخرج عن الاعتزال بسبع سنين.

<<  <  ج: ص:  >  >>