للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فمثلاً قد تقرأ لأحد من الأشاعرة أنه يأتي إلى قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥]، فيقول الله أعلم بمراده، فهنا لا يظن أنه نجا من التعطيل، إنما هو توقف بمسألة التحريف التي هي مسألة التأويل عنده، فهو إن كان قد ترك مسلك التحريف لكنه لجأ إلى مسلك التعطيل الذي نسميه التجهيل، وهذه المسالك ستأتي في حينها.

فإذاً «من غير تحريف ولا تعطيل»، أي من غير أن نبدل أو نغير في ألفاظ النصوص أو في معانيها، ومن غير أن ننكر شيئاً من أسماء الله وصفاته.

فهذا ردٌ على المعَطِّلَة، لأن المعَطِّلَة منهم من حرَّف، وكلهم متفقون في النتيجة وهي التعطيل، أي إنكار تلك الصفات أو بعضها.

فقوله هنا: «مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ» هذا ردٌ على المعَطِّلَة، والتعطيل أعمُّ من التحريف، فكل محرِّف معطل، ولكن ليس بالضرورة أن يكون المعطِّل محرِّفاً.

وهؤلاء المعَطِّلَة وضعوا هنا اصطلاحات أرادوا بها أن يمرِّروا هذا الباطل على النصوص، وهو ما يسمَّى «بالمجاز والتأويل»، فأحدثوا اصطلاحاً هو «التأويل»، وأحدثوا اصطلاحاً هو «المجاز» وفي هذين الأمرين أرادوا أن يلبِّسوا على الناس في هذه النصوص بغية تحريفها وتبديلها من حيث معانيها.

وأما قول المصنف: «ومن غير تكييف ولا تمثيل».

هذه العبارة فيها تمييز لعقيدة أهل السنة عن عقيدة المشبهة.

"فالتكييف" هو: جعل الشيء على حقيقة معينة من غير أن يقيدها بمماثل (١).

مثال ذلك: قول الهشامية عن الله: "طوله كعرضه " (٢).

أو قولهم: " طوله طول سبعة أشبار بشبر نفسه".

وعلى هذا التعريف يكون هناك فرق بين التكييف والتمثيل.

فالتكييف: ليس فيه تقيد بمماثل.

وأما التمثيل فهو اعتقاد أنها مثل صفات المخلوقين.

ولعل الصواب أن التكييف أعم من التمثيل.

فكل تمثيل تكييف، لأن من مثل صفات الخالق بصفات المخلوقين فقد كيف تلك الصفة أي جعل لها حقيقة معينة مشاهدة.


(١) القواعد المثلى ص ٢٧
(٢) مقالات الإسلاميين ص ٣١

<<  <  ج: ص:  >  >>