للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لغة العرب لا تعرف معنى «الاستواء» ولا تعرف معنى «العرش»؟ هل يُعقل هذا؟ فلا شك أن القارئ يعرف ألفاظ هذه النصوص ويعرف معانيها.

وشتان بينك وبين شخصٍ لا يعرف لغة العرب، فقد يقرأ اللفظ دون فهم لمعناه، وأما إذا كنت من العرب أو ممن درس لغة العرب، فلا شك أنك تفهم هذه المعاني.

فالسلف يؤمنون بأسماء الله وصفاته، وبما دلت عليه من المعاني والأحكام، أما كيفيتها فيفوضون علمها إلى الله.

وهم برآء مما اتهمهم به المعطلة الذين زعموا أن السلف يؤمنون، بألفاظ نصوص الأسماء والصفات، ويفوضون معانيها.

وهذا الزعم جهل على السلف، فإنهم كانوا أعظم الناس فهما وتدبرًا لآيات الكتاب وأحاديث النبي ، خاصة فيما يتعلق بمعرفة الله تعالى، فكانوا يدرون معاني ما يقرأون ويحملون من العلم، ولكنهم لم يكونوا يتكلفون الفهم للغيب المحجوب، فلم يكونوا يخوضون في كيفيات الصفات شأن أهل الكلام والبدع، فإنهم حين خاضوا في ذات الله وصفاته وقعوا في التأويل والتعطيل، وإنما ألجأهم إلى ذلك، الضيق الذي دخل عليهم بسبب التشبيه، فأرادوا الفرار منه فوقعوا في التعطيل،، ولم يقع تعطيل إلا بتشبيه، ولو أنهم نزهوا الله تعالى ابتداء عن مشابهة الخلق، وأثبتوا الصفة مع نفي المماثلة لسلموا ونجوا، ولوافقوا اعتقاد السلف ولستبان لهم أن السلف لم يكونوا حملة أسفار لا يدرون ما فيها.

ومن تدبر كلام أئمة السلف المشاهير في هذا الباب علم أنهم كانوا أدق الناس نظرًا، وأعلم الناس في هذا الباب، وأن الذين خالفوهم لم يفهموا حقيقة أقوال السلف والأئمة، ولذلك صار أولئك الذين خالفوا مختلفين في الكتاب، مخالفين للكتاب، وقد قال تعالى: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ (١).

ومن له اطلاع على أقوال الأسف المدونة في كتب العقيدة والتفسير والحديث عند الحديث عن نصوص الصفات يعلم أن السلف تكلموا في معاني الصفات وبينوها ولم يسكتوا عنها، وهذه الأقوال هي أكبر شاهد على فهم السلف لمعاني الصفات وإيمانهم بها.

ولابد أن نركز على مسألة دعوى الجهل بمعاني النصوص؛ لأن التفويض نوعان: تفويض المعنى وتفويض الكيف.


(١) الآية ١٧٦ من سورة البقرة

<<  <  ج: ص:  >  >>