للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أما تفويض المعنى فقد قال به المعَطِّلَة ونسبوه إلى السلف وقالوا: «إن السلف مفوضة» بمعنى أنهم لم يبحثوا ولم يتحدثوا عن معاني النصوص، وهذا زعمٌ باطل، وردُّ هذا الزعم بمجرد أن تقرأ كلام السلف في كتب التفسير أو في كتب الحديث أو في كتب الاعتقاد، تقرأ للسلف أن مثلاً مجاهد يقول: «ثم استوى على العرش، قال: استوى بمعنى علا وارتفع» (١)، ولا يعقل - حتى أقل الناس معرفة بلغة العرب - لا يعقل أنه لا يفهم معنى هذا الكلام ولا يفرق بين قوله يعني : «يَنْزِلُ اللَّهُ ﷿، كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا» (٢) وبين قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف: ٥٤]، هذا له معنى وهذا له معنى، وهذا الزعم، يعني بطلانه من أوضح ما يكون.

وكما قال الشاعر:

وليس يطيب في الأذهان شيء … إذا احتاج النهار إلى دليل

فالأمر واضح، فلا يمكن لنفسك أن تقبل هذا الأمر وتقول: لا أفهم هذا الكلام، بل أنت تفهم هذا الكلام، وتفهم معنى الاستواء، وتفهم معنى العرش، وإن كنت تجهل كيفية الاستواء أو كيفية العرش.

وهذا يبين مقصود المصنف بقوله: «بَلْ مَعْنَاهُ يُعْرَفُ مِنْ حَيْثُ يُعْرَفُ مَقْصُودُ الْمُتَكَلِّمِ بِكَلَامِهِ؛ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمُتَكَلِّمُ أَعْلَمَ الْخَلْقِ بِمَا يَقُولُ وَأَفْصَحَ الْخَلْقِ فِي بَيَانِ الْعِلْمِ وَأَفْصَحَ الْخَلْقِ فِي الْبَيَانِ وَالتَّعْرِيفِ وَالدَّلَالَةِ وَالْإِرْشَادِ. "»، يعني بذلك النبي .


(١) انظر صحيح البخاري كِتَابُ التَّوْحِيدِ، باب وكان عرشه على الماء هود وهو رب العرش العظيم التوبة، الجزء التاسع صفحة (١٢٤).
(٢) تقدم تخريجه انظر الصفحة رقم (١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>