للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يقول الظالمون علواً كبيراً: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾» (١).

وقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية- (ت ٧٢٨ هـ) أن طلب معرفة كيفية صفات الله ﷿ بدعة، وأن معرفة كيفية الصفات غير حاصل للعباد؛ لأن العلم بكيفية الصفات فرع العلم بكيفية الموصوف، فإذا كان الموصوف لا تُعلم كيفيته، امتنع أن تُعلم كيفية صفاته (٢).

وأكدَّ على اتفاق أهل السنة والجماعة على نفي معرفة حقيقة الله وكيفية صفاته، وقالوا: لا تجري ماهيته في مقال، ولا تخطر كيفيته ببال، ولا يحيط أحد من المخلوقين على حقيقة ذاته (٣).

ومما ذكره الإمام ابن القيم- (ت ٧٥١ هـ) في تقرير هذه القاعدة قوله: «إن العقل قد يئس من تعرُّف كنه الصفة وكيفيتها؛ فإنه لا يعلم كيف الله إلا الله، وهذا معنى قول السلف: "بلا كيف"، أي: بلا كيف يعقله البشر، فإن من لا تعلم حقيقة ذاته وماهيته، كيف تعرف كيفية نعوته وصفاته، ولا يقدح ذلك في الإيمان بها، ومعرفة معانيها، فالكيفية وراء ذلك، كما أنا لا نعرف معاني ما أخبر الله به من حقائق ما في اليوم الآخر، ولا نعرف حقيقة كيفيته، مع قرب ما بين المخلوق والمخلوق، فَعَجْزُنَا عن معرفة كيفية الخالق وصفاته أعظم وأعظم» (٤).

فعُلم مما تقدم من آثار عن سلف الأمة وأئمتها، أن أهل السنة والجماعة متفقون على النهي عن طلب كيفية صفات الله ﷿، وأن ذلك من الطرق المفضية إلى التشبيه والتمثيل، مجانبين في ذلك لطريق المعطِّلة الذين خاضوا في الكيفية فوقعوا في التشبيه أولاً، ثم فروا منه إلى التعطيل، ومجانبين أيضاً طريق المشبِّهة الذين خاضوا في الكيفية فوقعوا في التشبيه والتمثيل المذموم، فأثبت أهل السنة والجماعة الصفات، ونزهوه عن مشابهة المخلوقات.

وإلى جانب ما استدلَّ به أهل السنة والجماعة من أدلة نقلية وآثارٍ واردة عن أئمة


(١) شرح السنة (١٥/ ٢٥٧ - ٢٥٨).
(٢) انظر: التدمرية ص (١٥)، نقض المنطق، ضمن مجموع الفتاوى (٤/ ٦ - ٧)، مجموع الفتاوى
(٦/ ٣٩٩).
(٣) انظر: درء التعارض (١٠/ ٢٧٧)، التدمرية ص (١٦ - ١٨)، الرسالة المدنية في الحقيقة والمجاز، ضمن مجموع الفتاوى (٦/ ٣٥٥)، الإكليل في المتشابه والتأويل، ضمن مجموع الفتاوى (١٣/ ٣٠٨ - ٣٠٩)، بيان تلبيس الجهمية (١/ ٦٤، ١٩٧ - ١٩٩).
(٤) مدارج السالكين (٣/ ٣٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>