للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(٩٥) وروى [الأثرم في السنة] وأبو عبد الله بن بطة في الإبانة، [وأبو عمر الطلمنكي وغيرهم] بإسناد صحيح، عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون وهو أحد أئمة المدينة الثلاثة الذين هم مالك بن أنس، وابن الماجشون، وابن أبي ذئب وقد سئل فيما جحدت به الجهمية:

«أما بعد: فقد فهمت ما سألت عنه فيما تتابعت الجهمية ومن خالفها في صفة الرب [العظيم الذي فاقت عظمته الوصف والتقدير وكَلَّت الألسن عن] تفسير صفته، وانحسرت العقول دون معرفة قدره ردت عظمته العقول فلم تجد مساغًا فرجعت خاسئة وهي حسيرة، وإنما أُمروا بالنظر والتفكر فيما خلق بالتقدير، وإنما يقال «كيف»؟ لمن لم يكن ثم كان، فأما الذي لا يحول ولا يزول، ولم يَزَلْ، وليس له مثل، فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو، وكيف يعرف قدر من لم يبد ومن لم يمت، ولا يبلى، وكيف [يكون] لصفة شيء منه حد أو منتهى؟ يعرفه عارف أو يحد قدره واصف على أنه الحق المبين، لا حق أحق منه، ولا شيء، أبين منه. الدليل على عجز العقول في تحقيق صفته، عجزها عن تحقيق صفة أصغر خلقه، لا تكاد تراه صغرًا يحول ويزول، ولا يرى له سمع ولا بصر، لما يتقلب به ويحتال من عقله، أعضل (١) بك وأخفى عليك مما ظهر من سمعه وبصره، فتبارك الله أحسن الخالقين، وخالقهم وسيد السادات، وربهم ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١].

اعرف رحمك الله غناك عن تَكلُّف صفة ما لم يصف الرب من نفسه بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها، إذا لم تعرف قدر ما وصف فما تكلفك علم ما لم يصف، هل تستدل بذلك على شيء من طاعته، أو تنزجر به عن شيء من معصيته؟

فأما الذي جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقًا وتكلفًا، فقد ﴿اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ﴾ [الأنعام: ٧١] فصار يستدل بزعمه على جحد ما وصف الرب وسمى من نفسه بأن [قال]: لا بد إن كان له كذا من أن يكون له كذا (٢)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


(١) أي: اشتد واستغلق عليك فهمه.
(٢) كما تقول الجهمية: إنه يلزم من إثبات الصفات لله: أن يكون جسمًا أو عَرَضًا؛ فيكون محدثًا. كما سيذكر المصنف عنهم هذا بعد قليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>