للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فعمي عن البَيِّن بالخفي، وجحد ما سَمَّى الربُّ من نفسه بصمتِ الرَّبِّ (١) عَمَّا لم يُسَمِّ منها، فلم يَزل يُملي له الشيطان حتى جَحَد قولَ الرَّبِّ ﷿: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٢، ٢٣]، فقال: لا يراه أحدٌ يوم القيامة، فجَحَد- واللهِ- أفضل كرامة الله التي أَكرم بها أولياءه يوم القيامة من النَّظَر إلى وجهه (٢)، ونضرته إيَّاهم ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾ [القمر: ٥٥]، وقد قضى أنَّهم لا يَموتون؛ فهم بالنَّظر إليه يَنظرون.

إلى أن قال: وإنَّما جحد رؤية الله يوم القيامة إقامة للحُجَّة الضَّالة المضلة؛ لأنه قد عرف إذا تجلى لهم يوم القيامة رأوا منه ما كانوا به قبل ذلك مُؤمنين، وكان له جاحدًا.

وقال المسلمون: يا رسول الله، هل نرى ربَّنا؟

فقال رسول الله : «هل تُضَارُّون في رؤيةِ الشَّمس ليس دونها سحاب؟». قالوا: لا. قال: «فهل تُضَارُّون (٣) في رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟». قالوا: لا. قال: «فإنَّكم تَرَوْنَ رَبَّكم كذلك» (٤).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


(١) إطلاق «الصمت» على الله من باب الإخبار، وهو باب واسع، وقد ورد وصف الله بالسكوت كما في حديث أبي ثعلبة الخشني ، وفيه: قوله : «وسَكَتَ عن أشياء من غير نسيانٍ فَلا تبحثوا عنه»، رواه الدارقطني في «سننه» (٥/ ٣٢٥) برقم (٤٣٩٦)، وحسنه الألباني في تحقيق كتاب «الإيمان» لابن تيمية (ص ٤٤).
(٢) وهو أعظم نعيم أهل الجنة؛ قال الله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦]، فالله--وَعَد المحسنين من عباده على إحسانهم: الحُسنى، وهي أن يجزيهم على طاعتهم إيَّاه الجنة، وأن يُبَيِّض وجوههم، ووعدهم مع الحسنى: الزيادة عليها. ومن الزيادة على إدخالهم الجنة: أن يُكرمهم بالنَّظر إليه. انظر: «تفسير الطبري» (١٥/ ٧١).
وروى مسلم في «صحيحه» (١٨١) عن صهيب ، عن النبي قال: «إذا دخل أهلُ الجنةِ الجَنَّةَ، قال: يقول الله : تريدون شيئًا أَزيدُكم؟ فيقولون: أَلَم تُبَيِّض وجوهنا؟ ألم تُدخلنا الجنة، وتُنجنا من النار؟ قال: فيَكشف الحجاب؛ فما أُعطوا شيئًا أَحَبَّ إليهم مِنْ النَّظَرِ إلى ربِّهم ﷿».
(٣) «تُضَارون» بتشديد الراء من الضَّرَر، وبتخفيفها من الضَّيْر، أي: تكون رؤيته تعالى رؤية جَلِيَّة بَيِّنَة لا تَقبل مِراء ولا مِرية؛ فيُخالف فيها بعضُكم بعضًا ويُكَذِّبه، كما لا يشك في رؤية الشمس والقمر ولا يُنازع فيهما. انظر: «شرح الطيبي على مشكاة المصابيح» (١١/ ٣٥٠٨).
(٤) رواه البخاري (٦٥٧٣) ومسلم (١٨٢) من حديث أبي هريرة .

<<  <  ج: ص:  >  >>