للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وما أنكرته نفسك، ولم تَجد ذكره في كتاب ربِّك ولا في الحديث عن نبِيِّك-مِنْ ذِكر ربك-فلا تتكلفن علمه بعقلك، ولا تَصفه بلسانك، واصمت عنه كما صمت الربُّ عنه من نفسه، فإن تكلفك معرفة ما لم يَصف من نفسه كإنكارك ما وصف منها، فكما أعظمت ما جَحد الجاحدون مما وصف من نفسه، فكذلك أَعْظِم تَكَلُّف ما وصف الواصفون مما لم يَصف منها (١).

فقد-والله-عَزَّ المسلمون (٢) الذين يَعرفون المعروف وبمعرفتهم يُعرف، ويُنكرون المنكر وبإنكارهم يُنكر، يسمعون ما وصف الله به نفسه من هذا في كتابه، وما يبلغهم مثله عن نبيه، فما مَرِض من ذِكر هذا وتَسميته قلبُ مسلم، ولا تَكَلَّف صفة قدرة ولا تسمية غيره من الربِّ مؤمنٌ.

وما ذكر عن الرسول أنه سَمَّاه من صفة ربه، فهو بمنزلة ما سمى وما وصف الرب من نفسه.

والرَّاسخون في العلم-الواقفون حيث انتهى علمُهم، الواصفون لربِّهم بما وصف من نفسه، التاركون لما ترك من ذكرها-لا يُنكرون صفة ما سَمَّى منها جحدًا، ولا يتكلَّفون وصفه بما لم يُسَمِّ تعمُّقًا؛ لأنَّ الحقَّ تركُ ما ترك وتسميةُ ما سمَّى، ومَن يَتَّبِعْ ﴿غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: ١١٥]، وَهَبَ اللهُ لنا ولكم حُكْمًا، وألحَقَنا بالصالحين». اه (٣).

وهذا كله كلام ابن المَاجَشون الإمام فَتَدَبَّرْه! وانظر كيف أثبت الصفات ونفى علم الكيفية مُوافقة لغيره من الأئمة؟ وكيف أنكر على مَنْ نفى الصفات بأنه يَلزم من إثباتها كذا وكذا، كما تقوله الجهمية: أنه يلزم أن يكون جسمًا أو عَرَضًا فيكون».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


(١) وهذا معنى قول الإمام أحمد المتقدم: «لا يُوصف اللهُ إلا بما وَصف به نفسَه، أو بما وصفه به رسوله ؛ لا يُتجاوز القرآن والحديث».
(٢) أي: قَلُّوا حَتَّى كادوا لا يُوجدون. انظر: «لسان العرب» (٥/ ٣٧٦).
(٣) رواه ابنُ بَطَّة في «الإبانة الكبرى» (٧/ ٦٣)، باب (باب الإيمان بأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة بأبصار رءوسهم؛ فيُكلمهم ويكلمونه لا حائلَ بينه وبينهم ولا ترجمان).
ورواه الذهبي في «العلو» (ص ١٤١، ١٤٢)، ثم قال: «كان عبد العزيز مِنْ بُحُور العلم بالحجاز نُودي مرَّة بالمدينة بأمر المنصور: لا يُفْتِي النَّاسَ إِلَّا مالكٌ وعبدُ العزيز بن الماجشون. توفِّي ابن الماجشون سنة أربع وستين ومائة، وكان ابنه عبد الملك مِنْ كبار تلامذة مالك».

<<  <  ج: ص:  >  >>