للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إن كنتَ مصدقًا بثبوته؛ فَلِمَ تَخافُ مِنْ الألقاب التي يُطلقها هؤلاء وأنت معك على ذلك أدلة من كلام الله تعالى ومن كلام رسوله ؟!

فلا بُدَّ من إقامة المعروف ولا بُدَّ من إنكار المنكر!

كيف تَصمت، وكيف لا تصدع بالحق وأنت ترى فِرقة تعطِّل صفات الله وتَجحدها؟

كيف لا تُنكر منكرَ تَعطيل صفات الله؟!

ثم قال ابن الماجشون ناصحًا من سأله: «ولا تتكلفنَّ لما وُصف لك من ذلك قدرًا»، يعني: لا تَخُض في الكيفية كما وَقَع المُشَبِّه فيها.

«وما أنكَرَتْه نفسُك ولم تجد ذِكره في كتاب ربِّك ولا في الحديث عن نَبِيِّك مِنْ ذِكر صفة ربِّك؛ فلا تَتكلفَنَّ علمَه بعقلك»؛ لأنَّ هذا الباب ليس فيه رأي وليس فيه اجتهاد، بل فيه نصٌّ فقط، فإن جاء النصُّ أخذتَ بِهِ، وإلَّا فاسكت ولا تَخض فيما لا عِلْمَ لك بك؛ قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: ٣٦]، قال الإمام ابن كثير في تفسيرها: «نهى الله تعالى عن القول بلا علم، بل بالظن الذي هو التوهم والخيال؛ كما قال تعالى: ﴿اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم﴾ [الحجرات: ١٢]، وفي الحديث: «إيَّاكم والظَّنَّ؛ فإنَّ الظنَّ أكذبُ الحديث» (١)» (٢).

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فإنَّ مَسائل الدِّقِّ (٣) في الأصول لا يَكاد يتفق عليها طائفة؛ إذ لو كان كذلك لَمَا تنازع في بعضها السلف من الصحابة والتابعين، وقد يُنكر الشيء في حال دون حال، وعلى شخص دون شخص. وأصل هذا ما قد ذكرتُه في غير هذا الموضع: أن المسائل الخبرية قد يكون بمنزلة المسائل العملية؛ وإن سُمِّيَت تلك (مسائل أصول) وهذه (مسائل فروع)، فإن هذه تسمية مُحْدَثَة قَسَّمها طائفة من الفقهاء والمتكلمين، وهو على المتكلمين والأصوليين أغلب؛ لا سِيَّما إذا تكلموا في مسائل التصويب والتخطئة.

وأمَّا جمهور الفقهاء المحققين والصوفية فعندهم أنَّ الأعمال أهم وآكد من مسائل الأقوال المتنازع فيها؛ فإن الفقهاء كلامهم إنما هو فيها، وكثيرًا ما يكرهون الكلام في كلِّ مسألة ليس فيها عمل، كما يقوله مالك وغيره من أهل المدينة، بل الحقُّ أنَّ الجليل من كل واحد من الصنفين (مسائل أصول) والدقيق؛ (مسائل فروع).


(١) رواه البخاري (٦٠٦٦) ومسلم (٢٥٦٣) من حديث أبي هريرة .
(٢) «تفسير ابن كثير» (٥/ ٧٥)، بتصرف يسير.
(٣) أي: المسائل الدقيقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>