للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فالعلمُ بوجوب الواجبات كمباني الإسلام الخمس وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة؛ كالعلم بأن الله على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم، وأنه سميع بصير، وأن القرآن كلام الله، ونحو ذلك من القضايا الظاهرة المتواترة؛ ولهذا مَنْ جَحَد تلك الأحكام العملية المُجمع عليها كفر، كما أنَّ مَنْ جحد هذه كفر. وقد يكون الإقرار بالأحكام العملية أوجب من الإقرار بالقضايا القولية؛ بل هذا هو الغالب فإن القضايا القولية يكفي فيها الإقرار بالجمل؛ وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبَعْث بعد الموت والإيمان بالقَدَر؛ خيره وشره.

وأما الأعمال الواجبة: فلا بد من معرفتها على التفصيل؛ لأن العمل بها لا يمكن إلا بعد معرفتها مُفَصَّلَة؛ ولهذا تُقر الأمة مَنْ يفصلها على الإطلاق وهم الفقهاء؛ وإن كان قد يُنكر على مَنْ يتكلم في تفصيل الجمل القولية؛ للحاجة الداعية إلى تفصيل الأعمال الواجبة، وعدم الحاجة إلى تفصيل الجمل التي وجب الإيمان بها مجملة» (١).

فهذه نصيحة غالية من الإمام ابن الماجشون للسائل: وهي أن ما جاء به النصُّ فآمن به وسَلِّم له، وما لم يَرِد فيه نصٌّ فأمسك عنه ولا تَخُض فيه، ولا تَصِفه بلسانك؛ ولا تتجاوزْ الحَدَّ الذي حُدُّ لك، لأنَّ عندنا هنا في هذا الباب ثلاثةَ أُمُورٍ:

- أمورٌ أثبتها الله لنفسه وأثبتها له رسوله ؛ فنُثبت ما أثبته الله لنفسه، وما أثبتها له رسولُه .

- أمورٌ نفاها الله عن نفسه ونفاها عنه رسوله ؛ فنَنفي ما نفاه الله عن نفسه، وما نفاه عنه رسوله .

- وأمورٌ لم يَرِد فيها عن الله تعالى ولا عن رسوله نفيٌ ولا إثبات؛ فنتوقف فيها ونسكت عنها، ولا نخوض فيها.

لأن «تكلفك معرفة ما لم يَصف من نفسه كإنكارك ما وصف منها»، يعني: يستوي هذا وذاك، فهذا محظور وهذا محظور؛ فتعطيل الصفات الثابتة محظور، وكذلك التقول على الله بغير علمٍ محظور؛ لذلك قال: «فكما أَعْظَمْتَ ما جَحد الجاحدون مما وصف من نفسه، فكذلك أَعْظِمْ تَكَلُّفَ ما وصف الواصفون مما لم يَصِف منها!».

أي: إذا كنت تستعظم ما فعله المُعَطِّلة مِنْ جحد الصفات، فكذلك استعظم التَّقَوُّلَ على الله بغير علم؛ لإن هذا من طرق إغواء الشيطان للخلق؛ فقد قال الله عنه: ﴿إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٦٩].


(١) «مجموع الفتاوى» (٦/ ٥٦، ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>