للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

- الأمر الثاني: متى يكون القائل أو الفاعل أو المعتقد لهذا الأمر كافرًا؟ وهذا ما يُسمى بمسألة: (تكفير المُعَيَّن).

فلا بُدَّ لطالب العلم أن يفهم هذين الأمرين: ما هو الكفر؟ ومتى يكون الإنسان كافرًا؟

فالإيمان ضده الكفر، والإيمان-كما هو معلوم-شُعَبٌ، وشعب الإيمان نُسَمِّيها: الطاعات، فالإيمان أصلٌ وله شُعَبٌ؛ فأصل الإيمان في القلب، والقلب عليه واجبان؛ هما:

واجب العلم والمعرفة، وهذا الذي يُسَمِّيه أهل السُّنَّة: التصديق.

وواجب الانقياد والطاعة، وهذا الذي يُسَمُّونه: العمل؛ لذلك يُعَبِّرون عن الإيمان؛ بقولهم: الإيمان قول وعمل؛ فالمقصود بذلك: قول القلب: الذي هو التصديق، الذي هو العِلم والمعرفة. وعمل القلب: الذي هو الانقياد والطاعة.

والإنسان لا يَصير مؤمنًا إلا بهذين الأمرين:

الأمر الأول: أن يكون على علمٍ ومعرفة.

الأمر الثاني: وعلى انقيادٍ وطاعة؛

فلو اختل التصديق لا يبقى الإيمان، وكذا الأمر إذا اختل الانقياد؛ لأنَّ التصديق وحده لا يَكفي؛ فإبليس-عليه لعنة الله-كان يَعلم مَنْ يخاطب؟ وعلى من اعترضَ؟ ويهود المدينة كانوا يعرفون النبي كما يعرفون أبناءهم؛ وقد قال الله عنهم: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ٢٠]، لكن لم ينفعهم هذا العِلم ولم تنفعهم تلك المعرفة، كما لم ينفع إبليس علمه بمن يخاطب وعلى مَنْ اعترض، وكذلك فرعون وقومه لم ينفعهم علمُهم بأن الآيات التي جاءتهم هي حقٌّ من عند الله؛ قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [النمل: ١٣، ١٤]؛ لأن هؤلاء جميعًا لم يضيفوا إلى العلم الإذعان والانقياد والقبول لما علموا صدقه.

وقد سُئل سفيان بن عيينة عن الإرجاء؛ فقال: «يقولون: الإيمان قول. ونحن نقول: الإيمان قول وعمل، والمرجئة أوجبوا الجنة لِمَنْ شهد أن لا إله إلا الله مُصِرًّا بقلبه على ترك الفرائض، وسَمُّوا تركَ الفرائض ذنبًا بمنزلة ركوب المَحارم، وليس بسواءٍ؛ لأن ركوبَ المحارم من غير استحلال مَعصية، وترك الفرائض متعمدًا

<<  <  ج: ص:  >  >>