للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من غير جهل ولا عُذر هو كفر، وبيان ذلك في أمر آدم صلوات الله عليه وإبليس وعلماء اليهود؛ أمَّا آدم فنهاه الله ﷿ عن أكلِ الشَّجرة وحَرَّمها عليه؛ فأكل منها متعمدًا؛ ليكون مَلَكًا أو يكون من الخالدين؛ فسُمِّي عاصيًا مِنْ غير كفر، وأمَّا إبليسُ- لعنه الله- فإنَّه فُرض عليه سجدةٌ واحدةٌ؛ فجَحَدها مُتعمدًا فَسُمِّي كافرًا. وأمَّا علماء اليهود فَعَرَفوا نعتَ النبي ، وأنه نبيٌّ رسولٌ، كما يعرفون أبناءهم، وأَقَرُّوا به باللسان ولم يَتَّبعوا شريعة؛ فَسَمَّاهم الله ﷿ كُفَّارًا؛ فركوب المحارم مِثلُ ذَنْب آدم وغيرِه من الأنبياء، وأمَّا تركُ الفرائض جُحودًا فهو كفرٌ؛ مِثل كفر إبليس لعنه الله، وتَركهم على معرفة من غير جُحود فهو كفر؛ مِثل كفر علماء اليهود، والله أعلم» (١).

وقال الأوزاعي : «لا يستقيم الإيمان إلا بالقول، ولا يستقيم الإيمان والقول إلا بالعمل، ولا يَستقيم الإيمان والقول والعمل إلا بنية مُوافقة للسنة. وكان مَنْ مضى مِنْ سلفنا لا يُفَرِّقون بين الإيمان والعمل، والعمل من الإيمان، والإيمان من العمل، وإنَّما الإيمان اسم يجمع هذه الأديان اسمها، ويصدقه العمل؛ فمَن آمن بلسانه وعرف بقلبه وصدق بعمله؛ فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها. ومَن قال بلسانه ولم يَعرف بقلبه ولم يصدقه بعمله؛ لم يُقبل منه وكان في الآخرة من الخاسرين» (٢).

ونقله عنه المصنفُ في «مجموع الفتاوى»، وعَلَّق عليه بقوله: «وهذا معروفٌ عن غير واحد من السَّلَف والخلف: أنَّهم يجعلون العمل مصدقًا للقول» (٣).

فإذًا القلب عليه واجبان:

الواجب الأول: واجب التصديق، أو ما نُسَمِّيه: واجب العلم والمعرفة،

الواجب الثاني: واجب الانقياد والطاعة، فإذا اختلَّ أحد الأمرين زال الإيمان؛ فهذا أصل الإيمان.

وأمَّا أصل الكفر فهو التكذيب والجحود؛ لأن التكذيب يقابل التصديق، والجحود يقابل الانقياد.


(١) رواه عبد الله بن أحمد في «السنة» (١/ ٣٤٧)، وأورده ابن رجب في «فتح الباري» (١/ ٢٥)، وفي «جامع العلوم والحكم» (ص ٤٤).
(٢) رواه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (٢/ ٨٠٧).
(٣) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٧/ ٢٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>