للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلا يصير العبد مؤمنًا إلا بإيمان وانقياد؛ لذلك من عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة: أن الإيمان قولٌ وعمل، فإذا زال أحدُ الأمرين زال الإيمان، والإيمان كما-تقَدَّم-شُعَبٌ، وهذه الشعب نُسَمِّيها: طاعات.

ومِن شعب الإيمان ما لو زَالَ زَالَ الإيمانُ، ومِن شُعب الإيمان ما لو زال لم يَزل الإيمان، وشُعَب الإيمان متفاوتة في الرُّتبة؛ فهناك الأفضل وهناك الأدنى؛ كما قال النبيُّ : «الإيمانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ-أَوْ بِضْعٌ وسِتُّون-شُعبة؛ فأفضلُها: قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطةُ الأذى عن الطريق، والحياءُ شُعبة من الإيمانِ» (١)، فلو زالت لا إله إلا الله فلا يبقى إيمان، لكن لو زالت إماطة الأذى عن الطريق لم يَزل الإيمان.

ولذلك في المقابل: الكُفْرُ-أيضًا-شُعُبٌ؛ ونسميها: معاصي؛ فالكفر معصية، والشرك معصية، والنفاق معصية، كما أنَّ الصلاة إيمان، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣]، وقوله : «الطَّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ» (٢).

فمعنى الإيمان هنا في الآية والحديث: الصلاة، ففي قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾: أي: صلاتكم؛ لأنها نزلت بعد تحويل القبلة إلى المسجد الحرام؛ عندما سأل الصحابةُ عن شأنِ صلاتهم السابقة إلى بيتِ المقدس، وكذلك معنى الحديث: «الطَّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ»، أي: الوضوء نصف الصلاة.

فتُسمى شُعَب الإيمان-التي هي الطاعات-إيمانًا، كما تسمى شُعَب الكفر-التي هي المعاصي-كفرًا؛ لذلك جاء في هذه الأحاديث: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» (٣)، «اثْنَتَان في النَّاسِ هُمَا بهم كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى المَيِّتِ» (٤)، «مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ؛ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ »،


(١) رواه مسلم في كِتَاب (الإِيمَانِ)، بَاب (شُعَبِ الإِيمَانِ)، برقم (٣٥)، من حديث أبي هريرة .
(٢) رواه مسلم في كِتَابِ (الطَّهَارَةِ)، بَاب (فَضْلِ الْوُضُوءِ)، برقم (٢٢٣)، من حديث أبي مالك الأشعري .
(٣) رواه البخاري في كِتَاب (الإِيمَانِ)، بَاب (خَوْفِ المُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ)، برقم (٤٨)، ومسلم في كتَاب (الإِيمَان)، بَاب (بَيَان قَوْلِ النَّبِيِّ : «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» (٦٤)، والترمذي (١٩٨٣)، وابن ماجه (٦٩)، والنسائي (٤١٠٨)، والإمام أحمد في «المسند»؛ (مُسْنَد الْمُكْثِرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ) (٣٦٤٧).
(٤) انظر صحيح مسلم كِتَابُ الْإِيمَانَ، بَابُ إِطْلَاقِ اسْمِ الْكُفْرِ عَلَى الطَّعْنِ فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةِ عَلَى الْمَيِّتِ، برقم (٦٧)، والترمذي (١٠٠١)، والإمام أحمد في المسند مُسْنَدُ الْمُكْثِرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ (١٠٤٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>