للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

«مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ » (١)، وهكذا.

فإذًا شُعَبُ الكفر نُسَمِّيها معاصي، ولذلك مِنْ شعب الكفر ما لو وُجد زال الإيمان، ومِن شعب الكفر ما لو وُجد لم يَزل الإيمان، وعلى هذا يُفهم أنَّ الكفر كفران: كفرٌ يُخرج من المِلَّة، وكفرٌ لا يُخرج من الملة، فإذا كان تلك المعصية تُوجب الخلل في التصديق أو في الانقياد، فعند ذلك تُسَمَّى كفرًا أكبر.

لذلك مِنْ أصح ما يكون في تعريف الكفر، أن نقول: هو الجحود، فإمَّا جحود الوحدانية، أو جحود النبوة، أو جحود الشريعة، فإذا اختلَّ هذان الأصلان، أي: أصل التصديق وأصل الانقياد، فهذا الذي يُسَمَّى الكفر، لكن إذا لم يختل هذان الأصلان فعند ذلك لا يَقع الكفر المخرج من الملة.

لذلك نقول في تعريف الكفر الأصغر: هو كل معصيةٍ أَطلق عليها الشارعُ اسمَ الكفر، مع بقاء اسم الإيمان على صاحبها؛ كقتال المسلم الذي جاء في حديث النبي : «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» (٢).

فالقتل-وقد أُطلق عليه اسم الكفر-لا يُوجب الخروج عن الإيمان؛ بدليل قوله تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ [الحجرات: ٩]، إلى أن قال: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: ١٠]، فإذًا لم تَزل أخوةُ الإيمان باقيةً لهم.

فعند أهل السنة-كما قلنا-: شُعَبُ الإيمان تتفاوت، ولذلك فإن الوقوع في بعض المعاصي واختلال بعض الطاعات قد لا يُوجب الخروج من الإيمان.

ولِكَيْ تَفْقَهَ مسألة الكفر جيدًا عليك أن تتصور مواقف الفِرَق المختلفة من الإيمان:

فالخوراج والمعتزلة يقولون: إن الإيمان قول واعتقاد وعمل، ولكن يرون أن الإيمان شيءٌ واحد؛ إذا زال بعضه زال كله.

وفي المقابل المرجئة يقولون: الإيمان هو المعرفة، وما دام العلم موجودًا فإن ذلك لا يُوجب زوال الكفر ولو وقع الإنسان فيما يخالف ذلك من العمل، وهو قول الجهمية وقول الأشاعرة.


(١) انظر سنن أبي داود برقم (٣٩٠٤)، والترمذي (١٣٥)، وابن ماجه (٦٣٩)، والإمام أحمد في المسند مُسْنَدُ الْمُكْثِرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ (١٠١٦٧)، والدارمي (١١٧٦)، قال الشيخ الالباني في المشكاة الجزء الأول صفحة (١٧٣): صحيح.
(٢) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>