(٩٧) قال «أبو حنيفة»: الفقه الأكبر في الدين خير من الفقه في العلم، ولأن يفقه الرجل كيف يعبد ربه خير من أن يجمع العلم الكثير. اه.
قال أبو مُطيع:«قلت: أخبرني عن أفضل الفقه؟ قال: تَعَلُّم الرجل الإيمان، والشرائع، والسُّنَن، والحدود، واختلاف الأئمة، وذَكر مسائل الإيمان، ثم ذكر مسائل القَدَر، والرد على القدرية بكلام حَسَنٍ ليس هذا موضعه.
ثم قال: قلت: فما تقول فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؛ فيَتبعه على ذلك أناس، فيخرج على الجماعة: هل تَرى ذلك؟ قال: لا. قلت: وَلِمَ؟ وقد أمر الله ورسوله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو فريضة واجبة؟ قال: كذلك، ولكن ما يُفسدون أكثر مما يُصلحون من سفك الدماء واستحلال الحرام.
قال: وذكر الكلام في قتال الخوارج والبُغاة، إلى أن قال: قال أبو حنيفة عَمَّن قال: لا أعرف رَبِّي في السماء أم في الأرض؟ فقد كفر؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥]، وعرشه فوق سبع سماوات.
قلت: فإن قال: إنَّه على العرش استوى، ولكنه يقول: لا أدري؛ العرش في السماء أم في الأرض؟ قال: هو كافر؛ لأنه أنكر أن يكون في السماء؛ لأنه تعالى في أعلى عِليين، وأنه يُدعى مِنْ أعلى لا من أسفل.
وفي لفظ: سألت أبا حنيفة عمن يقول: لا أعرف رَبِّي في السماء أم في الأرض؟ قال: قد كفر؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥]، وعرشه فوق سبع سماوات، قال: فإنه يقول: ﴿عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ ولكن لا يدري؛ العرش في الأرض أو في السماء! قال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر» (١).
ففي هذا الكلام المشهور عن أبي حنيفة عند أصحابه أنه كَفَّر الواقف الذي يقول: لا أعرف ربِّي في السماء أم في الأرض! فكيف يكون الجاحد النَّافي الذي يقول: ليس في السماء أو ليس في الأرض ولا في السماء؟ واحتج على كفره بقوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥]، قال: وعرشه فوق سبع سماوات.