وبَيَّنَ بهذا أن قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ يُبين أن الله فوق السماوات فوق العرش، وأن الاستواء على العرش دلَّ على أن الله نفسه فوق العرش، ثم أردف ذلك بتكفير من قال: إنه على العرش استوى ولكن توقف في كون العرش في السماء أم في الأرض؟ قال: لأنَّه أنكر أنه في السماء؛ لأن الله في أعلى عليين، وأنه يُدعَى من أعلى لا من أسفل، وهذا تصريح من أبي حنيفة بتكفير من أنكر أن يكون الله في السماء.
واحتج على ذلك بأن الله تعالى في أعلى عِلِّيين، وأنه يُدعى من أعلى لا من أسفل، وكل من هاتين الحُجَّتين فِطرية عقلية؛ فإن القلوب مَفطورة على الإقرار بأنَّ الله في العلو، وعلى أنه يُدعى مِنْ أعلى لا من أسفل، وقد جاء اللفظ الآخر صريحًا عنه بذلك، فقال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر.
وروى هذا اللفظ عنه بالإسناد شيخُ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري الهَرَوي بإسناده في كتاب «الفاروق»(١).
قال المصنف ﵀: قال أبو حنيفة: «الفقه الأكبر في الدين خيرٌ من الفقه في العلم، ولأن يَفقه الرجل كيف يعبد ربَّه خير من أن يَجمع العلم الكثير».
لا شَكَّ أن الإنسان إذ تفقه في أصول دينه، وفي معرفة كيفية عبادة ربه ﷿ فإنه سيعبده على يَقين وعلى بصيرة من أمره، وهذا خير من أن يجمع مسائل الفروع ويكون جاهلا بمسائل الأصول.
قال المصنف ﵀: «قال أبو مُطيع: «قلت: أخبرني عن أفضل الفقه؟ قال: تَعَلُّم الرجل الإيمان، والشرائع، والسُّنَن، والحدود، واختلاف الأئمة، وذَكر مسائل الإيمان، ثم ذكر مسائل القَدَر، والرد على القدرية بكلام حَسَنٍ ليس هذا موضعه.
ثم قال: قلت: فما تقول فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؛ فيَتبعه على ذلك أناس، فيخرج على الجماعة: هل تَرى ذلك؟ قال: لا. قلت: وَلِمَ؟ وقد أمر الله ورسوله
(١) وذكر-كذلك-ابن القيم في «اجتماع الجيوش الإسلامية» (ص ١٣٩)، وابن أبي العز الحنفي في «شرح الطحاوية» (٢/ ٣٨٦): أنَّ هذا الأثر رواه أبو إسماعيل الهروي بسنده في كتاب «الفاروق» عن أبي مطيع البلخي. والكتاب ما زال مفقودًا.