للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو فريضة واجبة؟ قال: كذلك، ولكن ما يُفسدون أكثر مما يُصلحون من سفك الدماء واستحلال الحرام».

فهنا سأل أبو مُطيع الإمام أبا حنيفة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعن طائفة من الناس، يُلِمِّح إلى كل من الخوارج والمعتزلة، الذين يَرَوْن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون ضوابط شرعية، مما أدى إلى لازم ذلك من الخروج على جماعة المسلمين بالسيف والقتال.

ولا شَكَّ أنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة من فرائض الإسلام، وشريعة من شرائعه، لكن لا بد أن تؤدى بالوسائل الشرعية، فيجب على المسلم أن يأمر بالمعروف وأن ينهي عن المنكر، لكن لا يخرج على جماعة المسلمين بحجة أنه يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر؛ لأنه إذا خرج عليهم بالسلاح كان إفساده أكثر من إصلاحه؛ ويترتب على خروجه من المنكر أعظم مما هم موجود وقائم.

وهناك شواهد عبر التاريخ مما صنع الخوارج والمعتزلة الذين خرجوا بالقوة على جماعة المسلمين بحجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فأفسدوا أكثر مما أصلحوا، والقاعدة الأصولية العامة تقول: إن درء المفاسد مُقَدَّم على جلب المصالح؛ فإذا كان هذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيجلب مَفسدة، أو سيترتب عليه مفسدة أعظم من المفسدة القائمة؛ فتركه أَوْلَى، وكذلك لا يُزال المنكر بمُنكر أشد منه؛

قال الإمامُ ابن القيم : «فإنكار المنكر أربع درجات:

الأولى: أن يَزول ويخلفه ضده.

الثانية: أن يَقِلَّ وإن لم يَزل بجُملته.

الثالثة: أن يَخلفه ما هو مثله.

الرابعة: أن يَخلفه ما هو شَرٌّ منه.

فالدرجتان الأُولَيَان مَشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة.

فإذا رأيت أهلَ الفجور والفسوق يَلعبون بالشِّطْرَنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحبُّ إلى الله ورسوله؛ كرمي النشاب وسباق الخيل ونحو ذلك.

وإذا رأيت الفُسَّاق قد اجتمعوا على لهو ولعب أو سماع مُكاء وتصدية، فإن نقلتهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد، وإلَّا كان تركهم على ذلك خيرًا من أن تُفَرِّغَهم

<<  <  ج: ص:  >  >>