مخلوقاتك، ومقر بأني ما مدحتك بما يليق بك؛ لأن المدائح محصورة في نوعين:
إمّا في شرح صفات الجلال، وهو تنزيه الله عمّا لا ينبغي.
وإما في شرح صفات الإكرام، وهو وصف الله بكونه خالقا لهذا العالم.
أما الأوّل، ففيه سوء أدب من بعض الوجوه؛ لأن الرجل إذا قال للسلطان:"أنت لست بأعمى، ولست بأصم ولا أبرص"، فإنه يستوجب الزجر والحجر.
وأما الثاني، ففيه سوء أدب؛ لأن جميع كمالات المخلوقات بالنسبة إلى كمال الخالق نقائص؛ فشرح كمال الخالق بنسب إضافية إلى المخلوق سوء أدب.
فيا رب العزة! إني مقر بأني لا أقدر على مدحك إلا من أحد هذين الطريقين. ومقر بأن كل واحد منهما لا يليق بجلالك وبعزتك. ولكني كالمعذور؛ حيث لا أعرف شيئا سواه، ولا أهتدي إلى ما هو أعلى منه. " (١) انتهى كلامه.
فالرازي يقر هنا فيقول: " رأيت الأصوب والأصلح في هذا الباب: طريقة القرآن العظيم، والفرقان الكريم".
فليت هذه الرسالة من الرازي يتعظ بها من يطلع عليها من هو مصر على اتباع علم الكلام، والرازي معروف مكانته ومنزلته لدى أهل الكلام فهو منظر الأشعرية المتأخرة حيث لم يأتي على الأشاعرة المتأخرين مثله، ومن بعده هم عيال عليه حتى يومنا هذا.
قال ابن القيم معقباً على كلام الرازي بعد أن نقله: "فليتأمل اللبيب ما في كلام هذا الفاضل من العبر فإنه لم يأت في المتأخرين من حصل من العلوم العقلية ما حصله ووقف على نهايات أقدام العقلاء وغايات مباحث الفضلاء وضرب بعضها ببعض ومخضها أشد المخض، فما رآها تشفي علة داء الجهالة ولا تروي غلة ظمأ الشوق والطلب، وأنها لم تحل عنه عقدة واحدة من هذه العقد الثلاث التي عقدها أرباب المعقولات على قافية القلب.
١ - فلم يستيقظ لمعرفة ذات الله ولا صفاته ولا أفعاله، وصدق والله فإنه شاك في ذات رب العالمين هل له ماهية غير الوجود المطلق يختص بها أم ماهيته نفس وجوده الواجب، ومات ولم تنحل له عقدتها.
٢ - وشاك في صفاته هل هي أمور وجودية أم نسب إضافية عدمية ومات ولم تنحل له عقدتها.