للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ويقول نحن في عزنا مثل الأعصم، فالمنون إذا أرادتنا فكأنما تريد أعصم (أي الجبل الشاهق).

قال أبو عبيد: «قوله: «في عماء» في كلام العرب: السحاب الأبيض … وإنَّما تأولنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عنهم، ولا ندري كيف كان ذلك العماء وما مبلغه، والله أعلم» (١).

وقال الأزهري بعد أن رَجَّح قول أبي عبيد: «والقول عندي ما قاله أبو عبيد: أنَّه العماء-ممدود-وهو السحاب. ولا يُدرى كيف ذلك العماء بصفة تَحصره ولا نعت يَحُدُّه. ويُقَوِّي هذا القول قول الله جل وعز: ﴿هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام﴾ [البقرة: ٢١٠]، فالغمام معروف في كلام العرب، إلا أنَّا لا ندري كيف الغمام الذي يأتي الله جل وعز يوم القيامة في ظُلل منه! فنحن نُؤمن به، ولا نُكَيِّف صفته. وكذلك سائر صفات الله جل وعزَّ» (٢).

وقد نقل ابن عبد البر عن بعض أن الهاء في قوله: «فوقه» و «تحته» راجعة إلى العماء (٣).

وهذا القول ليس فيه دليل، على قول الفلاسفة الدهرية القائلين بقدم العالم، وأن مادة السموات والأرض ليست على قول الفلاسفة الدهرية القائلين بقدم العالم، وأن مادة السموات والأرض ليست مبتدعة، وذلك أن الله سبحانه أخبرنا في كتابه بابتداء الخلق الذي يعيده، وأخبر بخلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام في غير موضع، وجاءت بذلك الأحاديث الكثيرة، وأخبر أيضاً أنه يغير هذه المخلوقات.

القول الثاني: ويرى يزيد بن هارون، وأقره على ذلك الترمذي أن لفظة "عما" هي من حيث الشكل بالمد، ولكن معناها في هذه الحديث هو: "أي ليس مع الله شيء" وعلى هذا يكون معنى الحديث أن الله كان ولم يكن شيء معه، ويشهد لهذا المعنى ما جاء في حديث عمران بن حصين من قوله : "كان الله ولم يكن شيء معه".

القول الثالث: وهناك رأي ثالث في المسألة، يخالف القولين الأولين من حيث الشكل والمعنى: فمن حيث اللفظ يرى أنه بالقصر، وليس بالمد.

وعلى هذا يكون المعنى: أنه كان حيث لا تدركه عقول بني آدم، ولا يبلغ كنهه وصف، وذلك لأن كل أمر لا يدركه القلوب بالعقول فهو عمى (٤).


(١) «غريب الحديث» (٢/ ٨، ٩).
(٢) «تهذيب اللغة» (٣/ ١٥٦، ١٥٧)
(٣) انظر: «التمهيد» (٧/ ١٣٨).
(٤) انظر: غريب الحديث لأبي عبيد (٢/ ٨ - ٩)، تهذيب اللغة (٣/ ٢٤٦)، نقص تأسيس الجهمية (١/ ٥٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>