للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الصفات لا يَليق بالله؛ لأنَّه كفر وتَشبيه- إنَّما جَرَّ إليه ذلك تنجيسُ قلبه، بقدر التشبيه بين الخالق والمخلوق، فأَدَّاه شؤمُ التشبيه إلى نفي صفات الله جل وعلا، وعدم الإيمان بها، مع أنه- جل وعلا- هو الذي وصف بها نفسَه؛ فكان هذا الجاهل مُشَبِّهًا أَوَّلًا، ومُعَطِّلًا ثانيًا، فارتكب ما لا يَليق بالله ابتداء وانتهاء، ولو كان قلبه عارفًا بالله كما ينبغي، معظِّمًا لله كما ينبغي، طاهرًا من أقذار التشبيه- لكان المتبادر عنده السابق إلى فهمه: أن وصف الله- جل وعلا- بالغ من الكمال والجلال ما يَقطع أوهام علائق المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين؛ فيكون قلبه مستعدًّا للإيمان بصفات الكمال والجلال الثابتة لله في القرآن والسنة الصحيحة، مع التنزيه التام عن مشابهة صفات الخلق على نحو قوله: ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾، فلو قال مُتنطع: بَيِّنُوا لنا كيفية الاتصاف بصفة الاستواء واليَدِ ونحو ذلك؛ لِنَعْقِلَها! قلنا: أَعَرَفْتَ كيفيةَ الذَّات المقدسة المتصفة بتلك الصفات؟

فلا بد أن يقول: لا. فنقول: معرفة كيفية الاتصاف بالصفات مُتوقفة على معرفة كيفية الذات؛ فسبحان مَنْ لا يستطيع غيرُه أن يُحصي الثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه؛ ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ [طه: ١١٠]، ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾، ﴿قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوًا أحد﴾، ﴿فلا تضربوا لله الأمثال﴾.

فتَحَصَّل مِنْ جميع هذا البحث: أن الصفاتِ من باب واحد، وأنَّ الحقَّ فيها مُتَرَكِّب من أمرين:

الأول: تَنزيه الله-جل وعلا-عن مُشابهة الخلق.

والثاني: الإيمان بكلِّ ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله إثباتًا أو نفيًا، وهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾، والسلف الصالح ما كانوا يَشُكُّون في شيء من ذلك، ولا كان يُشْكِلُ عليهم» (١).


(١) «أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن» لمحمد الأمين الشنقيطي (٢/ ٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>