للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقد عرض لك هنا بعضَ آيات القرآن في هذه المسألة.

ومسألة الأسماء والصفات حقيقة هي الباب الذي تَعَرَّفَ الله به إلى الخلق، والمعطلة إنما يُريدون أن يُوصدوا هذا الباب!

فالله تعرف إلينا بأسمائه وصفاته، فإذا جهلناها-أو جَهَّلْنا الناس بها-أو حَرَّفناها، انطمس بابُ معرفة الله ، ولذلك يقول ابن القيم في فصل مشهد الأسماء والصفات: «وهو مِنْ أَجَلِّ المشاهد، والمطلع على هذا المشهد: مَعرفة تعلق الوجود خلقًا وأمرًا بالأسماء الحسنى والصفات العُلى، وارتباطه بها، وإن كان العالمُ بِما فيه مِنْ بعض آثارها ومقتضياتها.

وهذا مِنْ أَجَلِّ المعارف وأشرفها، وكلُّ اسم من أسمائه سبحانه له صفة خاصة، فإنَّ أسماءه أوصافُ مَدح وكمال، وكل صفة لها مقتضى وفعل؛ إمَّا لازم وإما متعد، ولذلك الفعل تعلق بمفعول هو مِنْ لوازمه، وهذا في خلقه وأمره، وثوابه وعقابه، كل ذلك آثار الأسماء الحسنى وموجباتها.

ومن المحال تعطيل أسمائه عن أوصافها ومعانيها، وتعطيل الأوصاف عما تقتضيه وتستدعيه من الأفعال، وتعطيل الأفعال عن المفعولات، كما أنه يستحيل تعطيل مفعوله عن أفعاله وأفعاله عن صفاته، وصفاته عن أسمائه، وتعطيل أسمائه وأوصافه عن ذاته.

وإذا كانت أوصافه صفات كمال، وأفعاله حِكَمًا ومصالح، وأسماؤه حُسنى؛ ففرض تعطيلها عن موجباتها مُستحيل في حقه، ولهذا يُنكر- سبحانه- على مَنْ عَطَّله عن أمره ونهيه وثوابه وعقابه، وأنه بذلك نَسَبَه إلى ما لا يليق به وإلى ما يَتنزه عنه، وأن ذلك حُكْمٌ سَيِّئ ممن حَكَم به عليه، وأنَّ مَنْ نسبه إلى ذلك فما قَدَره حقَّ قَدْرِه، ولا عَظَّمه حقَّ تعظيمه، كما قال تعالى في حق منكري النبوة وإرسال الرسل وإنزال الكتب: ﴿وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء﴾ [الأنعام: ٩١]، وقال تعالى في حقِّ منكري المعاد والثواب والعقاب: ﴿وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه﴾ [الزمر: ٦٧]، وقال في حق من جَوَّزَ عليه التسويةَ بين المختلفين؛ كالأبرار والفجار، والمؤمنين والكفار: ﴿أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون﴾ [الجاثية: ٢١]؛ فأخبر أن هذا حكم سَيِّئ لا يليق به؛ تَأباه أسماؤه وصفاته، وقال سبحانه: ﴿أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم﴾ [المؤمنون: ١١٥] عن هذا الظن والحُسبان؛ الذي تأباه أسماؤه وصفاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>