ونظائر هذا في القرآن كثيرة، يَنفي فيها عن نفسه خلافَ مُوجب أسمائه وصفاته؛ إذ ذلك مُستلزم تعطيلها عن كمالها ومقتضياتها.
فاسمه الحَميد المجيد يَمنع ترك الإنسان سُدى مهملًا مُعَطَّلًا، لا يُؤمر ولا يُنهى، ولا يُثاب ولا يُعاقب، وكذلك اسمه الحكيم يأبى ذلك، وكذلك اسمه الملك، واسمه الحي يمنع أن يكون معطلًا من الفعل، بل حقيقة الحياة الفعل، فكلُّ حَيٍّ فَعَّالٌ، وكونه سبحانه خالقًا قَيُّومًا من موجبات حياته ومقتضياتها، واسمه السميع البصير يوجب مسموعًا ومرئيًّا، واسمه الخالق يقتضي مخلوقًا، وكذلك الرازق، واسمه المَلِك يقتضي مملكة وتصرُّفًا وتدبيرًا، وإعطاء ومنعًا، وإحسانًا وعدلًا، وثوابًا وعقابًا، واسم البَرِّ والمُحسن المعطي المَنَّان ونحوها تقتضي آثارها وموجباتها …
والرب تعالى يحب ذاته وأوصافه وأسماءه، فهو عفو يحب العفو، ويحب المغفرة، ويحب التوبة، ويفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه …
وهو سبحانه الحميد المجيد، وحمده ومجده يقتضيان آثارهما. ومن آثارهما: مغفرة الزلات، وإقالة العثرات، والعفو عن السيئات، والمسامحة على الجنايات، مع كمال القدرة على استيفاء الحق. والعلم منه سبحانه بالجناية ومقدار عقوبتها، فحلمه بعد علمه، وعفوه بعد قدرته، ومغفرته عن كمال عزته وحكمته، كما قال المسيح ﷺ: ﴿إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم﴾ [المائدة: ١١٨]، أي: فمغفرتك عن كمال قدرتك وحكمتك، لستَ كمن يغفر عجزًا، ويُسامح جهلًا بقدر الحقِّ، بل أنت عليمٌ بحقك، قادر على استيفائه، حكيم في الأخذ به.
فمَن تَأَمَّل سَرَيان آثار الأسماء والصفات في العالَم وفي الأمر تبين له أن مصدر قضاء هذه الجنايات من العبيد، وتقديرها: هو مِنْ كمال الأسماء والصفات والأفعال. وغاياتها أيضًا: مُقتضى حمده ومجده، كما هو مقتضى ربوبيته وإلهيته.
فله في كلِّ ما قضاه وقَدَّره الحكمة البالغة والآيات الباهرة، والتعرفات إلى عباده بأسمائه وصفاته، واستدعاء محبتهم له، وذكرهم له، وشكرهم له، وتعبدهم له بأسمائه الحسنى؛ إذ كلُّ اسم فله تعبد مختص به؛ علمًا ومعرفة وحالًا، وأكمل الناس عبودية المتعبد بجميع الأسماء والصفات التي يَطَّلع عليها البشر؛ فلا تحجبه عبودية اسم عن عبودية اسم آخر، كمن يَحجبه التعبد باسمه القدير عن التعبد باسمه الحليم الرحيم، أو يَحجبه عبودية اسمه المعطي عن عبودية اسمه المانع، أو عبودية