القيامة لِفَصل القضاء بين خلقه، كما قاله النبي ﷺ(١)، وأنَّه- تعالى وتقدس- يَجيء يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده، والملائكة صفًّا صفًّا»؛ كما قال تعالى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر: ٢٢]، وأنه تعالى وتقدس يجيء يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده؛ فيغفر لمن يشاء من مُذنبي الموحدين، ويُعَذِّب مَنْ يشاء، كما قال تعالى: ﴿فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٨٤]».
الأمر جارٍ نفس المجرى، وهو إثبات ما جاءت به النصوص، ولكن هنا تعرَّض لقضايا تفصيلية، وهي إثبات العلوِّ، وإثبات الاستواء، وإثبات العرش، وإثبات الكرسيِّ. فهذه النصوص تشهد بعقيدة أهل السنة، وهذا يُفَنِّد زعمَ الأشاعرة والماتريدية الذين أنكروا ذلك، وحقيقة قول الأشاعرة والماتريدية إنما هو قول الجهمية.
فانظر إلى سلف أهل السنة، وانظر إلى سلف هؤلاء؛ تجد أن سلف أهل السنة هم الصحابة والتابعون هم من ساروا على هذا النهج، وانظر إلى سلف الأشاعرة والماتريدية تجد أن منهجهم هو منهج الجهمية. فهذه التأويلات التي يردِّدها الأشاعرة اليوم إنما هي بعينها تأويلات بشر المريسي، وبشر المريسي كان يقول بقول الجهمية. فأين سلف هؤلاء مِنْ سلف هؤلاء؟!
(١) عن جابر ﵁ قال: «لمَّا رجَعتُ إلى رسولِ اللَّهِ ﷺ مُهاجرةُ البحرِ قالَ: «ألا تحدِّثوني بأعاجيبِ ما رأيتُمْ بأرضِ الحبشَةِ». قالَ فِتيةٌ منهم: بلَى يا رسولَ اللَّهِ؛ بينا نحنُ جلوسٌ مرَّت بنا عجوزٌ من عجائزِ رَهابينِهِم تحملُ علَى رأسِها قُلَّةً من ماءٍ فمرَّت بفتًى منهم، فجعلَ إحدى يدَيهِ بينَ كتفيها، ثمَّ دفعَها فخرَّت علَى رُكْبتَيها؛ فانكسَرت قُلَّتُها، فلمَّا ارتفَعتِ التفتَتَ إليهِ، فقالَت: سوفَ تعلَمُ يا غُدَرُ إذا وضعَ اللَّهُ الكرسيَّ وجمعَ الأوَّلينَ والآخِرينَ وتَكَلَّمتِ الأيدي والأرجلُ بما كانوا يَكْسِبونَ؛ فسوفَ تعلَمُ كيفَ أمري وأمرُكَ عندَهُ غدًا! قالَ: يقولُ رسولُ اللَّهِ ﷺ: «صدَقَتْ، صدَقَتْ، كيفَ يقدِّسُ اللَّهُ أمَّةً لا يُؤخَذُ لضَعيفِهِم من شديدِهِم». أخرجه ابن ماجه (٤٠١٠) واللفظ له، وأبو يعلى (٢٠٠٣)، وابن أبي حاتم في «التفسير» (١٨٩٥٤)، وحسنه الألباني في «صحيح ابن ماجه» (٣٢٥٥).