للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فتجد أن منهج أهل السنة منهج إثبات وتصديق وإيمان وتسليم. وأما منهج أولئك فهو منهج رد وطعن؛ إمَّا طعن في الأدلة من حيث ثبوتها، وإما طعن في دلالتها؛ فما استطاعوا أن يطعنوا في ثبوته طعنوا فيه، وما لم يستطيعوا الطعن في ثبوته طعنوا في دلالته. وبالتالي حرَّفوا وبدَّلوا وغيَّروا، وهذا لا يمكن أن يُقبل في أصل الدين الذي هو توحيد الله الذي قام على أصلين: (التوحيد والاتباع).

وكل مَنْ في قلبه غيرة لدينه ولعقيدة أهل السنة والجماعة، فإنه لا يَقبل أن يخدش توحيد الله بأي خدش.

وقد أجمع السلف على أن الله فوق سماواته، عالٍ على عرشه، مستوٍ عليه، لا مُستولٍ عليه كما تقول الجهمية، وكما يقول أذنابهم وأتباعهم من الأشاعرة والماتريدية الذين قالوا: إن الله بكل مكان.

وكلام هؤلاء دائر بين حالين:

الحال الأولى: نفي وجوده ؛ فقالوا: لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته. فبهذا لم يثبتوا له وجودًا أصلًا.

والحال الثانية: حال مَنْ قالوا: إنه في كل مكان.

وليس أشر من هذا إلا هذا، فهم بين شَرَّين: إما أن ينفوا وجوده ، وإمَّا أن يزعموا أنه في كل مكان.

ولا ندري ما يَضيرهم لو أثبتوا لله ﷿ عُلُوًّا يَليق بجلاله بدل هذا التخبُّط الذي وَقعوا فيه، ومعهم في ذلك كلام الله تعالى وكلام رسوله ، ألم يقل : ﴿أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾ [الملك: ١٦]؟ ألم يقل : ﴿تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ [المعارج: ٤]؟ ألم يقل: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: ١٠]؟ ألم يُعرج بالنبي حتى بَلَغ سدرة المنتهى وخاطبه الله ﷿ بالصَّلاة؟ فما موقفهم من هذه النصوص؟

فوالله ما أبعدهم عن الاعتقاد الصحيح إلا آراؤهم الفاسدة؛ لأنهم في الأساس لم يَجعلوا من كلام الله تعالى وكلام رسوله سبيل هداية وطريق نجاة، فبالتالي زَلُّوا وضلُّوا، والله تعالى تعهَّد بالهداية لمن تمسَّك بالكتاب والسنة؛ قال : ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢]، إذًا ضمن الله تعالى الهداية لمن أخذ بكتابه وأخذ بسنة نبيه ، ولا شك أنَّ من حاد عن ذلك فهو في ضلال، والله يقول: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾

<<  <  ج: ص:  >  >>