للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

«الجائي قبل أن يكون جائيًا (١) لا أمره، المتجلي لأوليائه في الميعاد؛ فتبيَضُّ به وجوههم، وتَفْلُج (٢) به على الجاحدين حُجَّتهم، المستوي على عرشه بعظمة جلاله فوق كل مكان ، الذى كَلَّم موسى تكليمًا، وأراه مِنْ آياته، فسمع موسى كلام الله؛ لأنه قَرَّبَه نَجِيًّا، تقدس أن يكون كلامه مخلوقًا أو مُحدثًا أو مَربوبًا، والوارث لخلقه (٣)، السميع لأصواتهم، الناظر بعينه إلى أجسامهم، يداه مبسوطتان، وهما غير نِعمته، خلق آدم ونفخ فيه من روحه- وهو أمره- تعالى وتقدس أن يَحل بجسم، أو يُمازج بجسم أو يلاصق به تعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا، الشائي له المشيئة، العالِم له العلم، الباسط يديه بالرحمة، النازل كل ليلة إلى سماء الدنيا؛ ليتقرب إليه خلقه بالعبادة، وليرغبوا إليه بالوسيلة (٤)، القريب في قُربه من حبل الوريد، البعيد في علوه من كل مكان بعيد، ولا يُشبه بالناس».

إلى أن قال: «﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: ١٠]، القائل: ﴿أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا﴾ [الملك: ١٧: ١٦]؛ تعالى وتقدس أن يكون في الأرض كما هو في السماء؛ جَلَّ عن ذلك علوًّا كبيرًا» (٥).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


(١) أي: يُوصف بالمجيء على الوجه اللائق به، وإن لم يقع منه هذا الفعل، لتحقق وقوعه منه، كما قال تعالي: ﴿وجاء ربك والملك صفًّا صفًّا﴾، وهذا سيكون يوم القيامة، ونظائر هذا كثيرة؛ كقوله تعالى: ﴿أتى أمر الله فلا تستعجلوه﴾ [النحل: ١]. وأيضًا فكما أنَّه يُوصف بأنه غفور وإن لم يغفر، ورحيم وإن لم يرحم … ، فكذلك يُوصف بالمجيء وإن لم يحصل منه هذا الفعل؛ لقدرته على ذلك كله وتحقق وقوعه.
(٢) تَظهر وتَقوم.
(٣) قال الله تعالي: ﴿إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون﴾ [مريم: ٤٠]، وقال جل وعلا: ﴿وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلًا وكنا نحن الوارثين﴾ [القصص: ٥٨]. ومعني كونه : وارثًا لخلقه: أنه كتب على الخلق جميعًا الفناء والهلاك، ولا يبقى إلا هو سبحانه، فهو وحده الوارث لجميع الخلق.
(٤) أي: بالتقرب إليه؛ قال الله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ [الإسراء: ٥٧].
(٥) روى أبو نُعيم في «الحلية» (١٠/ ٢٩١، ٢٩٢) بعض كلامه هذا، والبغدادي في «تاريخه» (١٢/ ٢٢٣/ ٢٢٤)، والسُّلمي في «طبقات الصوفية» (ص ٢٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>