للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يجعل صدره ضيِّقا حرجًا كأنما يصعد في السماء﴾ [الأنعام: ١٢٥].

فيأتون لمثل هذه الآيات وأشباهها ويستدلون بها على أن العبد مجبور ولا قدرة له ولا اختيار.

وكذلك القدرية الذين ينكرون قدرة الله ﷿ في فعل العبد، تراهم يَحتج بنصوص الأوامر، ويقولون: كيف يأمر الله ﷿ بأمر، ويكون مع ذلك هو الذي يَخلق هذا الأمر أو يُقَدِّره على عبده؟! فلا بد أن العبد هو الذي يَخلق فعله.

وهكذا نجد أن بعضًا من أهل الباطل يأتون إلى النصوص فيَبترونها من سياقها، ويحتجُّون بشيء من الآيات ويتركون البعض الآخر، بينما لو جاء هؤلاء إلى بعض النصوص ونظروا فيها نظرةً شاملةً لوجدوا أنها وازنت بين الأمرين؛ كما قال تعالى: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [التكوير: ٢٩: ٢٨]، فإذًا الله ﷿ لا شك أنه كلَّف العباد وأمرهم، ومعلوم أن هذا الأمر فيه قدرة واختيار للعبد.

وكذلك هذه القدرة لا تَخرج عن قدرة الله ﷿ وإرادته؛ ويُفهم من هذا أن الإرادة نوعان: إرادة كونية قَدَرِيَّة، وإرادة دينية شرعية؛ فالإرادة الكونية القدرية هي التي ذكرها الله في مثل قوله: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ﴾ [الأنعام: ١٢٥]، وأمثاله، فهذا في الإرادة الكونية القدرية، بمعنى: أنه لا يكون في مُلك الله ﷿ ما لا يَشاء وما لا يريد.

ومن مشيئته : أن جعل للعبد قدرة واختيارًا.

فإذًا هناك ما يتعلق بخلق الله ﷿ وقَدَره الكوني، وهناك ما يتعلق بأمر الله-﷿-ومشيئته وإرادته الدينية الشرعية، فالله--أمر بتلك الأوامر الشرعية، ولذلك يقول الله ﷿: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥].

فهذه إرادة لكنَّها إرادة شرعية؛ لأن أوامر الشرع مَبنية على التيسير.

فالشاهد من كلامنا: أن هناك بعضًا من أهل البدع يَتمسكون ببعض النصوص وإن كان يَستدلُّون بها في غير موضعها، ويريدون أن يَضربوا القرآن بعضه ببعض.

وأما النوع الثاني: فهناك بعض أهل البدع ليس لهم متمسك في النصوص أصلًا؛ كنفاة الصفات على اختلاف أنواعهم؛ فهم لا يعتمدون النص أساسًا وأصلًا، وإنما يعتمدون العقل والرأي الذي أحدثوه وابتدعوه، وبالتالي هم لا يعتقدون ولا يعتمدون على النصوص، وإنما يعتمدون على أُسسهم المنطقية الفلسفية، وهؤلاء يأتون إلى نصوص القرآن ويحاولوا أن يُشككوا فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>