مؤمنًا، والشك في كفره أو نفيه أعظم منه في كفر أبي لهب ونحوه، وأعظم من ذلك في أبي جهل وعقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث ونحوهم ممن تواتر كفرهم، ولم يذكر باسمه في القرآن، وإنما ذكر ما ذكر من أعمالهم؛ ولهذا لم يظهر عن أحد بالتصريح بأنه مات مؤمنًا إلا عمن فيه من النفاق والزندقة أو التقليد للزنادقة والمنافقين ما هو أعظم من ذلك كالاتحادية الذين يقولون: إن وجود الخالق هو وجود الخلق …
والمقصود هنا أن هؤلاء الاتحادية من أتباع صاحب فصوص الحكم وصاحب الفتوحات المكية ونحوهم هم الذين يعظمون فرعون، ويدعون أنه مات مؤمنًا، وأن تغريقه كان بمنزلة غسل الكافر إذا أسلم، ويقولون: ليس في القرآن ما يدل على كفره، ويحتجون على إيمانه بقوله:(حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) سورة يونس: ٩٠.
وتمام القصة تبين ضلالهم فإنه قال سبحانه:(آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) سورة يونس: ٩١، وهذا استفهام إنكار وذم، ولو كان إيمانه صحيحًا مقبولاً لما قيل له ذلك.
وقد قال موسى ﵇:(ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) سورة يونس: ٨٨. قال الله تعالى:(قد أجيبت دعوتكما) سورة يونس: ٨٩، فاستجاب الله دعوة موسى وهارون، فإن موسى كان يدعو، وهارون يؤمن: أن فرعون وملأه لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم.
وقد قال تعالى:(أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون) سورة غافر: ٨٢ - ٨٥، فأخبر ﷾ أن الكفار لم يك ينفعهم إيمانهم حين رأوا البأس، وأخبر أن هذه سنته التي قد خلت في عباده ليبين أن هذه عادته سبحانه في المستقدمين والمستأخرين، كما قال ﷾:(وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار) سورة النساء: ١٨.