للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

- والله أعلم- النور المذكور في حديث أبي ذر-: «رأيتُ نُورًا» (١)» (٢).

وهو ما رجَّحه- أيضًا- شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى»، حيث قال : «ولم يتنازعوا إلا في النبي خاصة مع أن جماهير الأئمة على أنَّه لم يَره بعينه في الدنيا، وعلى هذا دَلَّت الآثار الصحيحة الثابتة عن النبي والصحابة وأئمة المسلمين، ولم يثبت عن ابن عباس ولا عن الإمام أحمد وأمثالهما أنهم قالوا: إن محمدًا رأى ربه بعينه، بل الثابت عنهم إمَّا إطلاق الرؤية، وإمَّا تقييدها بالفؤاد، وليس في شيء من أحاديث المعراج الثابتة أنه رآه بعينه، وقوله: «أتاني البارحةَ رَبِّي في أحسن صورة» (٣) الحديث الذي رواه الترمذي وغيره إنما كان بالمدينة في المنام هكذا جاء مفسرًا» (٤).

فحملوا الآثار المُطلقة الواردة في الرؤية؛ كأثر ابن عباس: «رأى محمدٌ ربَّه» على الرؤية القلبية، وحملوا الآثار النافية للرؤية؛ كأثر عائشة -على الرؤية البصرية؛ لأنه-من خلال التَّتبع-لم يَرِد عن أحد منهم أنه قال: رآه بعينه، وعليه فلا تعارض بين هذه النصوص.

رابعًا: رؤية الله-﷿-في الآخرة:

وهذه المسألة تقدم الحديث عنها في بداية شرح كلام المصنف عن رؤية الله، وقد حاول المعتزلة إنكارها ورد النصوص الواردة فيها، وقد أجاب أهل السنة على شبههم وبينوا أن رؤية الله في الآخرة جائزة عقلًا وواقعة شرعًا، ولا يَرِد على هذا قوله تعالى: ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ﴾ [الأنعام: ١٠٣]، فقد استدل به المعتزلة على نفي الرؤية مطلقًا، مع أن المراد بالآية ليس نفي الرؤية، وإنما المراد نفي الإدراك؛ لأنها سِيقت مساق المدح، ولو كان المراد نفي الرؤية لما كان في ذلك مدح؛ لأن المعدوم هو الذي لا يُرَى، والكمال في إثبات الرؤية هو نفي الإدراك؛ لأن النفي المحض لا يأتي في صفات الله، وإنما الذي يأتي هو النفي الذي يستلزم إثبات ضده من الكمال.

فالمعنى: أنه يُرى ولا يحاط به رؤيةً، ف ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾؛ لكمال عظمته،


(١) أخرجه مسلم (١٧٨) من حديث أبي ذر .
(٢) «اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية» (١/ ٣ (.
(٣) أخرجه الترمذي (٣١٥٧)، وأحمد (٣٣٠٤) وغيرهما، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (٥٩).
(٤) «مجموع الفتاوى» (١/ ١٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>