للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كما أنه يُعلم ولا يُحاط به علمًا لكمال عظمته، و ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾؛ لكمال قوته واقتداره، وهكذا.

وقد ورد عن بعض السلف أن الآية تفيد نفي الرؤية في الدنيا، فروى ابن كثير عن إسماعيل بن علية في قول الله تعالى: ﴿لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار﴾ أنه قال: «هذا في الدنيا».

وقد ذهب الآخرون إلى أن هذا النفي العام لرؤية جميع الأبصار له مُخَصَّصٌ بما ثبت من رؤية المؤمنين له جل وعلا في الآخرة (١).

وقال ابنُ القيِّم : «دلَّ الكتابُ والسنَّةُ المُتواتِرَةُ وَإجماعُ الصَّحابةِ وأئمةُ أهلِ الإسلامِ والحديثِ عَلَى أَنَّ اللهَ يُرى يومَ القيامَةِ بِالأبصارِ عِيَانًا، كَمَا يُرى القَمَرُ ليلةَ البدرِ صَحْوًا، وَكَمَا تُرى الشَّمسُ في الظَّهيرة، فَإِنْ كَانَ مَا أَخبَرَ به اللهُ وَرَسُوله عنه من ذلك حَقِيقَةً- وإنَّ له والله حقَّ الحقيقة- فَلَا يُمكِنُ أن يَروهُ إِلَّا مِنْ فَوقِهم؛ لاستِحَالَةِ أَنْ يَروهُ أسفل منهم، أو مِنْ خلفهم، أَوْ أمامهم، وَنَحو ذَلِكَ … ، فلَا يَجتَمِعُ فِي قَلبِ العبد بعد الاطلاع عَلَى هَذِهِ الأَحَادِيث وَفَهِمَ مَعنَاهَا إنكارُها والشهادةُ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ أَبَدًا» (٢).

أ-رؤية المؤمنين لربِّهم جل وعلا:

بَيَّن المصنفُ هنا أنه قَدْ دَخَلَ فِي الإيمانِ باللهِ وَكُتبِهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسلِهِ: الإيمانُ بِأَنَّ المُؤمِنِينَ يرونَهُ يومَ القيامةِ؛ فَمَنِ لَم يُؤمن بِأَنَّهُ-سبحانه-يُرَى يومَ القيامةِ فَقَد رَدَّ أَدِلَّةَ الكتابِ والسُّنَّةِ، وَخَالَفَ مَا عَلَيهِ سَلفُ الأُمَّةِ وَأَئِمَّتها، وَلَم يُؤمن بِاللهِ وَمَلائكتِهِ وكتبِهِ وَرسلِهِ.

فالله سيخص المؤمنين بمزيد من الإنعام يوم القيامة، وهو رؤيته جل وعلا، فقد روى أبو هريرة أن ناسًا قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربَّنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله: «هَلْ تُضَارُّون في رؤية القمر ليلة البدر؟». قالوا: لا يا رسول الله. قال: «هل تُضارون في الشَّمس ليس دونها سحاب؟». قالوا: لا. قال: «فإنَّكم ترونه كذلك … »، الحديث (٣).


(١) انظر: «تفسير ابن كثير» (٣/ ٣٠٩ (.
(٢) «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» (ص ٣٤٢).
(٣) أخرجه البخاري (٦٠٨٨) ومسلم ٢٦٧»

<<  <  ج: ص:  >  >>