للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكيف لو رأى من تقدم ذكرهم هذه الأزمنة، التي ظهر فيها الشرك الأكبر، والأصغر، والبدع التي لا تعد ولا تحصى في الاعتقادات، والأقوال والأعمال، وظهرت جميع الفواحش في أكثر أمصار المسلمين، وضيعت الصلاة واتبعت الشهوات، وظهر مصداق قول حذيفة: "ليجيئن أقوام يدفنون الدين، كما دفنت هذه الحصاة".

وأبلغ من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لتتبعن سنن من كان قبلكم، حذو القذة القذة قالوا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ " ١ وقال: "لتأخذن هذه الأمة مأخذ الأمم قبلها، شبرا بشبر وذراعا بذراع. قالوا: فارس والروم؟ قال: فمن الناس إلا أولئك" وظهر مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة: " بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء " ٢.

واعتبر هذا بما عاب به سبحانه اليهود من تبديلهم، برجم الثيب الزاني بالجلد والتحميم، فال سبحانه وتعالى في شأنهم: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} [سورة المائدة آية: ٤١] ، يقولون: إن أفتاكم محمد بالجلد والتحميم فاقبلوا، وإن أفتاكم بالرجم فلا تقبلوا. وقال سبحانه عنهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [سورة المائدة آية: ٤١] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما رجم الزاني: " اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه " ٣. فكيف حال الذين عطلوا الحدود بالكلية؟ ثم زاد الشر إلى أن آل الأمر ببعض الولاة أنهم يضربون على البغايا الخراج، وتعدوا


١ البخاري: أحاديث الأنبياء ٣٤٥٦ , ومسلم: العلم ٢٦٦٩ , وأحمد ٣/٨٤ ,٣/٨٩.
٢ مسلم: الإيمان ١٤٥ , وابن ماجه: الفتن ٣٩٨٦ , وأحمد ٢/٣٨٩.
٣ مسلم: الحدود ١٧٠٠ , وأبو داود: الحدود ٤٤٤٧ ,٤٤٤٨ , وابن ماجه: الحدود ٢٥٥٨ , وأحمد ٤/٢٨٦ ,٤/٣٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>