للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى فيمن عبدوا المسيح: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [سورة المائدة آية: ٧٦] وسيأتيك أن الدعاء والنداء بما لا يقدر عليه إلا الله، داخل في مسمى العبادة، فتنبه! فأخبر تعالى عن المسيح أنه لا يملك لمن دعاه نفعا ولا ضرا، وإن قل كما يفيده التنكير، وأبطل عبادته وأنكرها أشد الإنكار، ومعجزاته أوضح من الشمس وسط النهار; وقد تقدم أن هذه الشبهة هي التي تعلق بها النصارى في دعائه ودعاء أمه.

ثم اعلم: أن الآية ليس فيها ما يدل على كرامة يعقوب عليه السلام، إلا حفظه في عقبه، وصيانة ولده; فإن الله يحفظ الرجل الصالح في نفسه وأهله وولده، كما في حديث ابن عباس: " احفظ الله يحفظك " ١، وليس ذلك من جهه المثال وتخصيصه، فإن هذا لا يفيد الكرامة ولا يفهمها; وقد تمثل جبرائيل في صورة دحية الكلبي، وكثيرا ما يتمثل الملك في صورة البشر.

والذي رآه يوسف هو المثال، لا نفس يعقوب وذاته، كما فهمه الغبي، فإن هذا لا يدل عليه كلامهم أصلا; وكرامات يعقوب عليه السلام أجل من ذلك وأعظم; وقد يمثل للإنسان من يحب ويأنس به، أو من يجله ويهابه لمصلحة تعود عليه، لا على نفس صاحب المثال; ولذلك نظائر وأشباه في اليقظة والمنام، يعرفها أولو العلم والأفهام.


١ الترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع ٢٥١٦ , وأحمد ١/٢٩٣ ,١/٣٠٣ ,١/٣٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>