للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الموعظة]

علم الله أن السيادة في البر لمن ساد في البحر. وأن أقسام الأرض المتقاطعة وأصناف الأمم المتباينة - لا يقرب بينها. ويفتح الطريق لتواصلها وتعارفها، وينقل مدنياتها من بعض إلى بعض منها إلا ركوب البحر وملك ناصيتها، فجاءت الآيات القرآنية العديدة في ذكر البحر وصفاته ومنافعه وسفنه وبديع الصنعة فيه وعظيم النعمة به، وجاء هذا الحديث يبشر الأمة الإسلامية بما هيء لها من أسباب السيادة ويعرفها أنها أمة ملك وسلطان وقوة وأنها ستملك البحار، وتغزو الأمصار الكبار، يعرفها بهذا ويدعوها إليه لتعد له عدته وتأخذ له طريقه وتتوصل إليه بأسبابه. إذ لا يكون ملك إلا بأسباب الملك. ولا تكون قوة إلا بأسباب القوة ولا تكون السيادة إلا بأسباب السيادة، وقد علمت من دينها أن السيادة لا تكون إلا بالملك. وأن الملك لا يكون إلا بالقوة: قوة الأبدان وقوة العقول وقوة الأخلاق وقوة المال- وبهذه يكون العدل الذي هو أساس الملك وأن لا قوة إلا بالعلم والعمل والتهذب، فإذا دعاهم هذا الحديث إلى السيادة فقد دعاهم إلى هذا كله ونبههم على هذا التقدير المحكم الذي ارتبط بعضه ببعضه، وعلى أنه لا سبيل إلى غايته إلا بإتيانه من بدايته. وقد فهم المسلمون هذا دهرا فسلكوه فأنجز لهم الله وعده. وجهلوه أدهارا فتركوه فأذاقهم الله بأسَه، وما ربك بظلَّام للعبيد. ولئن عادوا إليه ليعودن إليهم، ولن يُخلف اللهُ الميعادَ (١).


(١) ش: ج١، م ١٠ - غرة رمضان ١٣٥٢ه - جانفي ١٩٣٤م.

<<  <   >  >>