للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المعنى]

إن أعمال الناس قد تشترك في صورها ومظاهرها، حتى لا يكون في ذلك فرق بينها، ولكنها بذلك التساوي الصوري الظاهري لا تكون متساوية في الاعتبار والحقيقة وما يتبعها من القبول والرد في نظر الشرع، فقد هاجر مهاجر أم قيس كما هاجر سائر المهاجرين. الجميع قد كان منهم مفارقة الديار وترك دار الكفر إلى دار الإسلام واللحوق بالنبي- صلى الله عليه وآله وسلم- فالعمل عمل واحد قطعا ولكن القصد مختلف فقد كان قصدهم بهجرتهم طاعة الله ورسوله، وكان قصده بهجرته التزوج بأم قيس، فكانت هجرتهم واقعة عند الله تعالى موقعها محصلة لهم رضاه ومثوبته، وكانت هجرته لا موقع لها عند الله ولا حظ لها من ثوابه، وكانت معتبرة من عمله الدنيوي لا من عمله الديني، ومثله كل من قصد بهجرته غرضا من أغراض الدنيا ما حمله على الهجرة إلا هو. هذا معنى الجملة الأولى من الحديث الشريف.

وـ[معنى الجملة الثانية]ـ: أن الأعمال المعتبرة عند الله التي قصد بها طاعته تتساوى أيضا في صورها ومظاهرها ولكنها لا تتساوى منازلها في الاعتبار والقبول والمثوبة. بل تتفاوت حظوظ أصحابها في ذلك بحسب تفاوتهم في مقاصدهم منها، فيهاجر المهاجران- مثلا- كلاهما يقصد بهجرته طاعة الله ورسوله هذا لا يقصد إلا ذلك وذاك يقصد معه على سبيل التبع غرضا دنيويا من تجارة أو تزوج. فحظ الأول من هجرته هو طاعة الله ورسوله وحدها غير متبعة بشيء، وحظ الثاني هو الطاعة المتبعة بشيء. وثواب الأولى- قطعا- أعظم من ثواب الثانية، أو يكون أحدهما قصد الهجرة وما يكون معها من جهاد بالنفس والمال ومصاحبة النبي- صلى الله عليه وآله وسلم-

<<  <   >  >>