وخدمته وصحبته والتفقه عليه وتكثير سواد أصحابه وعمارة مدينته. والآخر لم يخطر بباله شيء من هذا. فحظ الأول من عمله عظيم وثوابه كثير على حسب كثرة مقاصده وتنوعها، وحظ الثاني واحد وهو الهجرة، وثوابه عليها بالخصوص. وذلك على حسب قصده ونيته، ومثل هذين القاصدان للمسجد لأجل الصلاة واحدهما يقصد مع ذلك عمارة المسجد وحبس الجوارح على الطاعة وإرشاد الضال وتنبيه الغافل وتعليم الجاهل وتكثير الجماعة والتعاون على الخير بحضور مشاهده وبعث غيره على الاقتداء به فيه. والآخر لم يخطر بباله شيء من هذا. فحظ الأول من عمله وثوابه عليه أكثر بكثير من حظ الثاني وثوابه وإن كانا كلاهما في طاعة الله.
فالنيات والمقاصد كما تفرق بين العملين المتماثلين وتؤثر فيها بالقبول والرد وهو مقتضى الجملة الأولى -كذلك- تفرق بين العملين المقبولين وتؤثر فيهما باختلاف مقدار الثواب وحظ العامل منه وهو مقتضى الجملة الثانية وهذا أثر كبير للنيات في الأعمال.
[الأحكام]
أفاد الحديث أن العمل الديني لا يكون مقبولا حتى تقصد به طاعة الله وإن من قصد به غير ذلك فعمله مردود عليه وأن أجر العامل يقل ويكثر على حسب نيته بعمله، وأنه يمكنه أن يقصد مقاصد كثيرة من الخير بعمل واحد، فيتضاعف ثوابه عليه بحسب نيته وإن لم يقع ذلك فعلا بعمله، كقصد إرشاد الضال في المسجد ولم يجده، أو تعليم الجاهل ولم يلقه، وقصد الجهاد من الهجرة ومات قبله، وأمثال ذلك كثيرة.