فالجسد آلة بديعة للروح لازمة لها في الدنيا وملازمة لها في الأخرى. فمن العدل الإلهي أن يكون لها حظها هنالك كما كان لها حظها هنا، ومن العدل الواجب على الإنسان أن يعطيها -كما يعطي الروح- حقها من الاعتناء، فكما يغذي روحه بما ينير عقلها من العلوم والمعارف، وما يزكيها من الأخلاق والآداب، وما يقويها من صالح العمل، ومفيد السعي في وجوه الحياة. ويحفظها من كل ما يغشى العقل من جهالات وأوهام، وما يدسي النفس من رذائل، وما يضعفها من كسل وبطالة - كذلك عليه أن يغذي بدنه بما ينميه وما يصلحه وما يقويه، ويحفظه من كل ما يفسده أو ينهكه أو يؤذيه.
يتوقف هذا البدن وصلاحه على الغذاء، وقد جعل الله فيه وعاء وأي وعاء، وهو المعدة: مخزن الغذاء وبيت الداء وعلى حفط نظام هذا الوعاء تترتب الصحة والمرض والسقم والشفاء.
فإذا ملأ ابن آدم بطنه كان عليه شر وعاء، وانبعثت منه شر الأدواء: أسقام للبدن، وأثقال على الروح، وظلمات للعقل، فانقلب على الانسان مع انتفاع به إلى أصعب الشر وأقسى البلاء.
وإذا اقتصر على أكلات تقيم الصلب وتمسك البدن حصل من البدن على العمل، وسلم من آلام المرض، ونعم بالعافية، وكان انتفاعه بالآلة البدنية خالصا من شوائب الضرر.
وإذا غلبته الشهوة، وكان- لا محالة- منقادا للذة، فليقف دون الشبع ولا يملأ كل الملأ المعدة حتى لا تثقل حركتها في الهضم، وحتى لا تنتفخ في البطن فتسد مجاري النفس، وبذلك