للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله - صلى الله عليه وسلم- «لا صلاة لجار المسجد في غير المسجد» مراداً به عبادة مخصوصة ذات أقوال وأفعال وتروك على هيئة خاصة من جملة أجزائها الدعاء. ولا شك أن إطلاقها على هذا المعنى إنما هو إطلاق شرعي ولكنه غير خارج عن أساليب كلام العرب، فإنه من باب تسمية الشيء باسم جزئه، فإطلاق هذا اللفظ على هذه العبادة المخصوصة حقيقة شرعية، مجاز لغوي، وليس هذا هو مرادنا هنا. وقد كان الظاهر لما كانت بمعنى الدعاء أن تتعدى بالكلام ولكنها تعدت بعلى لما فيها من معنى العطف، فصلى عليه يؤدي معنى قولنا: دعا له عاطفاً عليه وهذا هو السر في اختيار لفظها على لفظه لتؤدي المعنيين: الدعاء والعطف. وإن كان لفظ الدعاء يقتضي عطفاً فذلك بطريق الاستلزام، وهو دون دلالة التضمن.

تكون هذه الصلاة من المخلوق على المخلوق ومن الخالق على المخلوق. فمن الأول صلاة النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- على المؤمنين كما في آيتي سورة التوبة المتقدمتين ومنها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم- «اللهم صل على آل أبي أوفى» فقد دعا لهم وسأل الله تعالى أن يصلي عليهم.

وصلاته على نفسه في تشهده في الصلاة. ومنه صلاة الملائكة على النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- كما في آية الصلاة من سورة الأحزاب، وصلاتهم على المؤمنين كما في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ}، ويفسر هذه الآية قوله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ}، وهذا منهم دعاء عام. وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}.

وهذا دعاء خاص. وكما في حديث: «من صلى علي صلاة صلت عليه الملائكة عشرا»، وحديث «إذا صلى أحدكم ثم جلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلي عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه».

<<  <   >  >>