للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَيْلًا}، {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ}، {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ}، {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ}، {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ}، ومنه قوله {عَبْدُكَ} هنا.

والعبد المضاف إلى الله تعالى بهذا الوجه هو المملوك المطيع، وطاعته بذل وخضوع هي عبادته. ولما كان ليس مملوكا إلا لله فلا تكون طاعته إلا لله فلا يجوز لأحد أن يطيع أحداً إلا في طاعة الله فتكون طاعته في الحقيقة لله. فطاعتنا للنبي- صلى الله عليه وآله وسلم- هي- بالقطع- طاعة لله، وطاعتنا لغيره لا تجوز إلا إذا عرفنا أنها في مرضاة الله، وقد قال- صلى الله عليه وآله وسلم-: «لا طاعة لأحد في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف» رواه الشيخان وأبو داوود والنسائي عن علي رضي الله عنه وقال -صلى الله عليه وآله وسلم-: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» رواه أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه عن عمران والحكم بن عمر والغفاري -رضي الله عنه-.

ولما كانت الطاعة -التي هي العبادة- بها يحصل الكمال الإنساني للفرد في عقله وأخلاقه وأعماله، وللنوع في اجتماعه وعمرانه، وهذا الكمال هو سعادة الدنيا المفضية إلى السعادة الكبرى في الحياة الأخرى - كانت العبودية أشرف حال وأعظم مقام وأفضل وصف للإنسان وكان أفضل إنسان أرسخ الناس قدما في هذا المقام. ولما كان النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- كذلك كان أفضل الخلق، وكان -كما قال- صلى الله عليه وآله وسلم-: «سيد ولد آدم ولا فخر» - ولهذا ذكر بوصف العبودية في مقام التقريب والتكريم في قوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} وفي مقام الترفيع والتعظيم في آية الإسراء، وجاء على مقتضى ذلك وصفه به في ذكر الصلاة ومقام الثناء والدعاء.

ولفط العبد كما أنه أكمل وصف للإنسان على ما بينا - هو أصدق وصف له - وأشده بعدا عن الكبرياء والعظمة والترفع.

<<  <   >  >>