للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

انخلع قاب الفاتك واضطربت يده وسقط السيف منها، فتناول النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- السيف ورفعه على رأسه وقال لغورث: من يمنعك مني؟ فقال له غورث: كن خير آخذ.

إلتجأ الفاتك إلى حلم الني- صلى الله عليه وآله وسلم- وعفوه وكرمه ودعاه إلى أن يكون خير آخذ لعدوه، وخير الآخذين هو الذي يعفو بعد القدرة، ويسمح بعد الغلب، وما دعى النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- إلى خير إلا أجاب ولا وقع بين أمرين إلا اختار أفضلهما، وما انتقم لنفسه قط، فترك غورثا وعفا عنه فرجع إلى قومه يقول لهم: جئتكم من عند خير الناس.

في هذه القصة تجلت الثقة بالله في أجلى مظاهرها واندحرت قوة السيف أمام قوة الإيمان، إيمان من لا يخاف إلا الله ولا يخاف غيره، ولو كان السيف مصلتا على رأسه وضرب النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- المثل الكامل في العفو والتجاوز وحسن التآلف للناس وجلبهم إلى الإيمان فلهذا العفو ولقول غورث لقومه: جئتكم من عند خير الناس، من الأثر في القلوب ما لا تفعله الجيوش من فتحها للإسلام أو كفها عن أذى المسلمين (١).

رزقنا الله الاقتداء بهذا النبي الكريم ذي القلب الرحيم والخلق العظيم (٢).


(١) أصل القصة في الصحيحين والشفاء ومسند أحمد وقد اختلف في إسلام غورث.
(٢) ش: ج ٥، م ١١ - غرة جمادى الأولى ١٣٥٤ه - أوت ١٩٣٥م.

<<  <   >  >>