للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العوّام فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم تكن عمرة ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك ثم لم تكن عمرة ثم آخر من رأيت يفعل ذلك ابن عمر ثم لم ينقضها عمرة … " (١).

فكيف جاز لهؤلاء كلهم أن يعرضوا عن أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالفسخ؟ وكيف جاز لهم أن يخصوه بالعصر الأول فحسب مع أن عموم النصوص لكل عصر وأوان مما علم من الدين بالضرورة كما قاله الزركشي رحمه اللَّه (٢)؟

الذي يظهر أنهم خصصوا هذا العموم بالتعليل، وذلك أنهم ربطوا الأمر بالفسخ بعلة كانت قائمة في العصر الأول ثم انتفت فانتفى معها الحكم، وهي أنهم كانوا في الجاهلية يرونه من أفجر الفجور أن يُعتمر في أشهر الحج فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالفسخ إبطالًا لما قام في نفوسهم من هذا الاعتقاد، ثم لمّا زال هذا الاعتقاد من النفوس عاد الحكم إلى أصله وهو وجوب الإتمام وعدم جواز الفسخ عملًا بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦]؛ لأن الحكم يدور مع علّته وجودًا وعدمًا.

قال ابن الهمام رحمه اللَّه: «سبب الأمر بالفسخ ما كان إلا تقريرًا لشرْع العمرة في أشهر الحج، ما لم يكن مانع سوق الهدي، وذلك أنه كان مستعظمًا عندهم حتى كانوا يعدونها في أشهر الحج من أفجر الفجور فكَسر سَوْرة ما استحكم في نفوسهم من الجاهلية من إنكارها بحملهم على فعله بأنفسهم، يدل على هذا ما في الصحيحين عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: "كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ويجعلون المحرّم صفرًا،


(١) البخاري، الصحيح، حديث رقم (١٦٤١).
(٢) انظر: الزركشي، البحر المحيط، ج ٣، ص ١٨٤، وقد سبق إيراد قوله أيضًا.

<<  <   >  >>