للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكن، ومن ثَم قال الأسود بن يزيد: "قلت لعائشة: أيباشر الصائم؟ قالت: لا. قلت: أليس كان رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- يباشر وهو صائم؟ قالت إنه كان أملككم لإربه" (١).

فمن الملاحظ هاهنا أن عائشة رضي اللَّه عنها عارضت عموم ما روت عنه -صلى الله عليه وسلم- وأفتت بخلافه، وذلك بأن عللت عموم ما روت بعلة تقتضي تخصيص حكم المباشرة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أو بمن هو مثله في الثقة بملك نفسه عن الانجرار - بواسطة التقبيل المهيّج للشهوة - إلى الجماع المفسد للصوم.

وهذا المعنى لحظه أيضًا ابن عباس، رضي اللَّه عنهما، فقد سُئل عن القبلة للصائم "فأرخص فيها للشيخ وكرهها للشاب" (٢).

لكن الفرق بين اجتهاد ابن عباس وبين اجتهاد عائشة رضي اللَّه عنهما: أن عائشة خصصت عموم إباحة التقبيل بالعلة ذاتها فأباحت التقبيل لكل من وثق بعدم التورط في الجماع وكرهته لمن هو بخلاف ذلك - كما هو مقتضى قولها -.

أما ابن عباس فقد خصص عموم إباحة التقبيل لا بالعلة ذاتها وإنما بمظنتها فأباح القبلة للشيخ لأنه ليس بمظنة للانجراف وراء الشهوة لضعفها لديه وكرهها للشاب لأنه مظنة لذلك.


(١) البخاري، الصحيح، حديث رقم (١٩٢٧)، والنسائي، السنن الكبرى، ط ١، دار الكتب العلمية، بيروت، ج ٢، ص ٢١٠، واللفظ للنسائي.
(٢) مالك بن أنس، الموطأ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ١٤٠٦ هـ، ج ١، ص ٢٩٣ وإسناده صحيح.

<<  <   >  >>