للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا تعريف حسن مطابق للوضع اللغوي ولما يعقله الناس من معنى العلة في أفعالهم وأقوالهم إلا أنه على الرغم من ذلك لم يسلم من انتقاد بعض الأصوليين، لا سيما أولئك الذين تأثروا بمذهب الأشعري في نفي التعليل عن أفعاله سبحانه وتعالى، فقالوا: هذا التعريف يستلزم نسبة الغرض إليه سبحانه وتعالى وهو محال عليه «لأنّ من فَعَل فعلًا لغرض فلا بد وأن يكون حصول ذلك الغرض بالنسبة إليه أولى من لا حصوله، وإلا لم يكن غرضًا، وإذ كان حصول الغرض أولى وكان حصول تلك الأولوية متوقفًا على فعل ذلك الفعل كان حصول تلك الأولوية لله تعالى متوقفة على الغير، فتكون ممكنة غير واجبة لذاته ضرورةَ توقفها على الغير، فيكون كماله تعالى غير واجب لذاته، وهو باطل» (١).

وبناء على ذلك لجأوا إلى تعريف العلة بأنها «المعرّف للحكم أو الأمارة على الحكم» (٢)، ولم يسلم هذا التعريف من اعتراض أيضًا فقال الآمدي: إذا كانت العلة «أمارة مجردة فالتعليل بها في الأصل ممتنع لوجهين:

الأول: أنه لا فائدة في الأمارة سوى تعريف الحكم، والحكم في الأصل معروف بالخطاب لا بالعلة المستنبطة منه.

الثاني: أن علة الأصل مستنبطةٌ من حكم الأصل ومتفرّعةٌ عنه فلو كانت معرَّفة لحكم الأصل لكان متوقفًا عليها ومتفرّعًا عنها وهو دورٌ ممتنع» (٣).


(١) السبكي، الإبهاج، ج ٣، ص ٤٠.
(٢) المرجع السابق، ج ٣، ص ٤٠، والرازي، المحصول، ج ٢، ص ٣١١، والزركشي البحر المحيط، ج ٥، ص ١١١، ١١٢.
(٣) سيف ا لدين علي بن أبي علي الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، دار الكتب العلمية بيروت، ١٤٠٣ هـ، ج ٣، ص ٢٨٩. وسيشار له: الآمدي، الإحكام.

<<  <   >  >>