للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أي أنها علة - معنى (١) - أبطلت القيود اللفظية للنص، وهذا يعني أنها عادت عليه بالتأثير وهذا الوجه من التأويل لا يجوز (٢).

وقال إلكيا الهرّاسي (٣) تأكيدًا لورود القول في هذه المسألة عن الإمام الشافعي رحمه اللَّه: «المنقول عن الشافعي أنه لا يجوز تخصيص العموم بالمعنى» (٤).

وهذا الذي ذكره إلكيا ونقله إمام الحرمين هو أحد القولين عن الإمام الشافعي، رحمه اللَّه، في هذه المسألة، وأما القول الآخر فهو يقضي بجواز تأثير العلّة على النّص، قال الزركشي عقب مسألة تخصيص العموم بالقياس: «إن هذه المسألة غير مسألة تخصيص العموم بالمعنى، فإن تلك للشافعي فيها قولان، ولهذا تردّد في نقض الوضوء بالمحارم لأجل عموم {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣]، والتخصيص بالمعنى - وهو الشهوة - منتفية فيهم، وكذا في القاتل بحق مع حديث: "القاتل لا يرث" (٥) وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أيما إهاب


(١) قال عبد العزيز البخاري: «كان السلف لا يستعملون لفظ العلّة وإنما يستعملون لفظ: المعنى أخذًا من قوله -عليه السلام-: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى معان ثلاث" أي: علل». عبد العزيز البخاري، كشف الأسرار، ج ١، ص ١٢. أفاده الأستاذ شلبي، تعليل الأحكام، ص ١٢٤.
(٢) سيأتي في المبحث الثالث من هذا الفصل توضيح وجه عود العلّة على النّص بالتأثير في هذه المسألة.
(٣) هو: علي بن محمد بن علي، إمام أصحاب الشافعي في زمانه، والمناظر عنهم، برع في الفقه والأصول والخلاف، وولي تدريس النظامية ببغداد، له: «أحكام القرآن» و «نقض مفردات أحمد»، وكتابان في أصول الفقه، توفي سنة ٥٠٤ هـ‍، انظر: ابن بدران الدمشقي، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ط ٤، مؤسسة الرسالة، بيروت، ١٤١١ هـ‍، ص ٤٥٧.
(٤) الزركشي، البحر المحيط، ج ٣، ص ٣٧٨.
(٥) الترمذي، السنن، ج ٤، ص ٤٢٥. ابن ماجة، السنن، ج ٢، ص ٩١٣. والحديث حسن بطرقه. انظر: عبد اللَّه الغماري، الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج، ط ١، عالم الكتب، بيروت، ١٤٠٥ هـ‍، ص ١٠٠. ووجه اجتهاد الشافعي في هذا الحديث أنه أخرج «القاتل بحق» كالجلاّد أو القاضي أو دافع الصائل عن عموم الحديث «القاتل لا يرث» فحكم بتوريثه نظرًا إلى أن العلّة من حرمان القاتل من الإرث هي العقوبة وهو ليس أهلًا لها، والمخطئ أهلٌ لها بتقصيره، وهذا تعليل عاد على النّص بالتخصيص، وهناك قول آخر للشافعي بعدم توريثه نظرًا إلى الصيغة. انظر: الغزالي، شفاء الغليل، ص ٧٣، والشربيني، مغني المحتاج، ج ٤، ص ٢٥.

<<  <   >  >>