للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما ابن الحاجب فقد سلك مسلك الآمدي تمامًا إلا أنه عارضه - بحكم مالكيته - في رده تأويل الحنفية والمالكية لقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ … } [التوبة: ٦٠].

وكما صنع الرازي، صنع صاحب المنهاج - البيضاوي - فلم يتعرض للمسألة من قريب ولا بعيد.

وهكذا ظل البحث في هذه المسألة مقتضبًا وغامضًا، إلى أن جاء ابن السبكي، ومن بعده الزركشي، فكشفا عن قولي الشافعي في المسألة وفرّقا بين عود العلة على النص بالتخصيص، وبين عودها عليه بالتعميم، فالحالة الأولى فيها قولان، والحالة الثانية تجوز قولًا واحدًا (١).

ومن حَسَنِ ما نبّه إليه الزركشي في هذه المسألة قوله: «فرعٌ ولّدتُه: هل يجوز أن يستنبط من المقيد معنى يعود عليه بالإطلاق؟ فيه نظر، وقد جوَّز جمهور أصحابنا الاستنجاء بحجر واحد له ثلاثة أحرف نظرًا للمعنى وهو الإزالة بطاهر، وفيه رفع قيد العدد في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فليستنج بثلاثة أحجار" (٢)» (٣)، فأشار بهذا الكلام إلى أن ما يُقال بشأن عود العلة على النص بالتخصيص أو عودها عليه بالتعميم لا يقتصر على هذه الصورة من صور تأثير تعليل النص على دلالته فحسب بل يطّرد في غيرها من صور التأثير كعودها على المطلق بالتقييد أو عودها على المقيد بالإطلاق.


(١) انظر: ابن السبكي، جمع الجوامع، ج ٢، ص ٢٩٠، ٢٩١، وقد سبق إيراد قوله بتمامه، والزركشي، البحر المحيط، ج ٥، ص ١٥٢، وقد سبق نقل شيء من أقواله.
(٢) الدارقطني، السنن ج ١، ص ٥٤، وقال عقب إحدى رواياته: إسناد صحيح.
(٣) الزركشي، البحر المحيط، ج ٣، ص ٣٧٨.

<<  <   >  >>