للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووجه دلالة هذا الحديث على جواز اتباع الظاهر واضح، إذ إن ابن مسعود جرى مع ظاهر أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه بالجلوس فجلس بباب المسجد مع أنّ الغالب على الظن أنه ليس مقصودًا في الخطاب وإنما المقصود من حضر من الصحابة في المسجد، فكأن ابن مسعود في هذا الاجتهاد كان جاريًا مع الصيغة دون الالتفات إلى القصد، وأقره النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك.

ويرد على هذا الدليل أن حديث ابن مسعود هذا لا يصح موصولًا وإنما هو مرسل من رواية عطاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. فإن قيل: قد رواه أبو داود من طريق مخلد بن يزيد ثنا ابن جريح عن عطاء عن جابر به (١) وهذا موصول من حديث جابر بن عبد اللَّه -رضي الله عنه-.

فالجواب عليه هو أنّه لم يصلْ هذا الحديث سوى مخلد بن يزيد وهو ليس ممن يُحتمل تفرده (٢) لذلك قال أبو داود عقب رواية الحديث: «هذا يعرف مرسل إنّما رواه الناس عن عطاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومخلد هو شيخ (٣)» (٤).

وعلى فرض صحة هذا الحديث أو قبوله - لأن المرسل حجة عند جمع من العلماء (٥) - فإن دلالته على اتباع ظاهر اللفظ دون الالتفات إلى العلة تظل محل نظر وذلك لأن علة أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بالجلوس ليست واضحة في


(١) أبو داود، السنن، ج ١، ص ٢٨٦.
(٢) قال فيه الإمام أحمد: «لا بأس به وكان يهم» وقال ابن حجر: «صدوق له أوهام» انظر: الحافظ المزي، تهذيب الكمال في أسماء الرجال ط ١، مؤسسة الرسالة، بيروت، ١٤١٣ هـ، ج ٢٧، ص ٣٤٥، وابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب، ط ٣، دار الرشيد، حلب، ١٤١١ هـ، ص ٥٢٤.
(٣) قال الذهبي في ترجمة العباس بن الفضل: قال أبو حاتم: شيخ، فقوله هو شيخ ليس هي عبارة جرح ولكنها أيضًا ما هي بعبارة توثيق وبالاستقراء يلوح لك أنه ليس بحجة» الذهبي، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، مطبعة السعادة، القاهرة، ١٣٢٥ هـ ج ٢، ص ١٩ بحذف يسير. أفاده العلامة أبو غدة في تعليقاته على الرفع والتكميل، لمحمد اللكنوي، ط ٣، مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب، ١٤٠٧ هـ‍، ص ١٥٠.
(٤) أبو داود، السنن، ج ١، ص ٢٨٦.
(٥) كأبي حنيفة ومالك وأحمد، انظر: ابن الصلاح، مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث، دار الفكر، بيروت، ١٤٠٨ هـ‍، ص ٢٦.

<<  <   >  >>