للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل - وهذا مما لا ينبغي الخلاف فيه، قال إمام الحرمين: «دينًا حقَّ على كل مجتهد أن يفتي بعكس العلة إذا لم يمنع من ذلك مانع ولم يحجز حاجز» (١).

وقال الغزالي، رحمه اللَّه: «اختلفوا في اشتراط العكس في العلل الشرعية وهذا الخلاف لا معنى له، بل لا بد من تفصيل، وقبل التفصيل فاعلم: أن العلامات الشرعية دلالات فإذا جاز اجتماع دلالات لم يكن من ضرورة انتفاء بعضها انتفاء الحكم، لكناّ نقول: إن لم يكن للحكم إلا علة واحدة فالعكس لازم، لا لأن انتفاء العلة يوجب الحكم بل لأن الحكم لا بد له من علة، فإذا اتحدت العلة [أي كانت واحدة] وانتفت فلو بقي الحكم لكان ثابتًا بغير سبب، أما حيث تعدّدت العلة فلا يلزم انتفاء الحكم عند انتفاء بعض العلل بل عند انتفاء جميعها» (٢).

والذي يُلحظ من كلام الغزالي هذا هو أن القول في اشتراط الانعكاس، إثباتًا ونفيًا، إنما ينبني على كون الحكم معلّلًا بعلة واحدة أو أكثر، فحيث قيل في حكم من الأحكام: إنه معلل بعلل، فحيث انتفت إحدى هذه العلل لم يلزم من ذلك انتفاء الحكم لأنه يثبت بغيرها من العلل، ومثال ذلك:

مَنْ قَتَل وارتدّ، فإنّ دمه يباح لعلّتين:

الأولى: الردة.

والثانية: القتل العمد العدوان.

فإذا انتفت علة الردة، بأن فاء إلى الإسلام، لم ينتفِ حكم إباحة الدم لثبوته بالعلة الأخرى، وإذا انتفت علة القتل العمد العدوان، كأن تراجع


(١) إمام الحرمين، البرهان، ج ٢، ص ٥٥٩.
(٢) الغزالي، المستصفى، ج ٢، ص ٣٤٤.

<<  <   >  >>